فاقتضى هذا الإِصرار على الإِنكار والتكذيب، أن يزيد الرُّسُل بيانَهُمْ تأكيداً، قال الله عزَّ وجلَّ:
{قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ البلاغ المبين} [يس: 16 - 17] .
فأضَافُوا إلى المؤكّدات السابقات تَأْكيداً بالْقَسَمِ: {رَبُّنَا يَعْلَمُ} وباللاّم المزحلقة، الّتي هي لام الابتداء، زُحْلِقَتْ إلى خبرَ "إنّ" فهي الداخلة على "مُرْسَلُون".
فتكاثرتْ نِسْبَةُ المؤكّدات بحسب الإِمعان في التكذيب والإِنكار.
المثال الثاني:
في عرض لقطات من قصة نوح عليه السلام وقومه في سورة (المؤمنون/ 23 مصحف/ 74 نزول) أبان الله عزَّ وجلَّ أنّ نوحاً سأل ربَّه أن ينْصُرَهُ فقال: {رَبِّ انصرني بِمَا كَذَّبُونِ}
فأوحى الله إليه أن يصْنَعَ الفلْكَ، حتَّى إذا أتَّمَهَا وَجَاءَ أَمْرُ اللَّهِ فَإنّ عليه أولاً: أنْ يَسْلُكَ فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَجَميعَ أَهْلِهِ باسْتِثْنَاءِ مَنْ سَبَقَ عَلَيْه قَوْلُ اللَّهِ بأنَّهُ من المهلكين بسبب كفره، وإنّ عليه ثانياً أنْ لا يسأَلَ رَبَّهُ في رفْعِ عَذَاب الْهَلاَكِ عَنْ قَوْمِهِ.
ولمّا كان قَلْبُ نوح الحليم الرحيم من طبيعته أن يتحرّكَ بعاطفة نَحْو قومه، فلَرُبّما سألَ رَبَّهُ أن يرفع العذاب عنهم أو يؤخره، كانت حالته تستدعي تأكيد القضاء الرّبّانيّ بإغراقهم، حتَّى لاَ يكون لدى نوح أمَلٌ بخلاف ذلك، فقال الله تعالى له: {وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الذين ظلموا إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ} [المؤمنون: 27]
فأكَّدَ له قرار إغراقهم بحرف التأكيد "إنَّ" مراعاةً لحالته القلبيَّة الحليمة الرّحيمة.