عكس الكلام للدلالة على فكرة أخرى، غدا هذا اللون بعد حين مادّة لتندّر بعض المقلّدين الساخرين.
وهذا العكس في الكلام هو ما كان على وزن العبارة المشهورة: "كلام الأمير أمير الكلام" ونقول في نظائرها:
"الجمال الأدبيّ وأدب الجمال" - "الطَّبْعُ الْحَسَنُ والْحُسْنُ المطبوع".
"شعراءُ العلماء وعُلَمَاءُ الشعراء" - "روائع النَّثْرِ ونَثْرُ الرَّوَائع".
ومن التزام الوتيرة الواحدة المملّة ما نجده في مقامات الحريري على الرّغْم من حلاوة بعضه لأوّل مرة، لكنّ التّنقّل في الألوان الأدبيّة، والتنويع في استخدام العناصر الجمالية في الكلام، من الأسباب التي تجدّد إثارةَ الانتباه للإِحساس بالجمال، وتجدّد الاستمتاع بلذّة الأدب الجميل، وترفعه إلى مستوى الروائع، وتَمْنَعُ تسلُّل والْمَلَلِ إلى نفوس المستمعين أو القرّاء.
إنّ التَّنَقُّل مثلاً في النَّثْر من المتوازنات القصيرة، إلى المتوازنات الطويلة، إلى المتفاوتات الرشيقة ضمن نسق معجب جميل أَحبُّ إلى النّفوس الحضاريّة الذوّاقة للجمال من الثبات على وتيرة واحدة منها.
ثم إذا استطاع الأديب أنْ يُلاَئِمَ بين المضامين الفكرية وبين الأسلوب الذي اختاره كان ذلك أكثر إعجاباً وإبداعاً.
وكذلك التَّنَقُّل من الخبر، إلى التساؤل، إلى الجواب، إلى التمنِّي فإلى الخبر، فإلى الحوار والمناقشة، فإلى الْجَدَلِ، فالْحَماسة، فالمنطقيّة العقليّة، فالعاصفة، فالحديثِ الهادىء، إلى غير ذلك من ألوان وفنون بيانيّة، مع شرط الملاءمة، وعدم التنافر الجمالي.
ومع التنقّل ينبغي للأديب أنْ يكون قادراً على الإِحساس بالتحوّلات النّفسيّة لدى من يُوَجِّهُ له كلامه، ليختار من أساليب القول ما يلائم الحالة النّفسيّة التي