الكلام، ويُرَاعَى فيها أوضاع المخاطَبين وأحوالهم، نضرب المثال التالي:

نضع في هذا المثال مطلباً من المطالب التي قد يراد الإِعلام بها، بغية تحقيقها، ثم ننظر إلى طائفة من الأساليب الكلاميّة التي يمكن أنْ يُتَوَصَّل بها إلى الإِعلام بالمطلوب.

وهنا لا بدّ أنْ نرى من الأساليب ما هو ساذج صريح، يتناول الطَّلب مباشرة، ثمّ نرى من الأساليب من يدلّ على المطلوب دلالة غير مباشرة، ويُعْتَمَدُ فيها على ذكاء المخاطبَ وقدْرَتِه على إدراك المطلوب من خلال إشارات القول ومعاريضه.

ومن المسلَّم به أنّه كلّما كان المخاطب أكثر ذكاء ورغبةً في تَلْبية الطلب، كان إخفاء الإِشارة إلى الطلب في أسلوب القول الدّال عليه لدى مخاطبته أعلى منزلة من الناحية البيانيّة، وأكثر بلاغة، هذا من غير النّصوص التي يُقصد منها تثبيت أحكام بعيدة عن الاحتمال الذي قد يُفهم منه غير المراد.

وهنا تتكاثر الأساليب التي تشير في خفاء إلى المطلوب، وبعضها أرقى من بعض، أو أعذب وأحلى، أو أبدع أو أكثر نفعاً وتأثيراً.

ولنفرض أنَّ عدداً من النّاس كلُّ واحد منهم يُريدُ الحصول على كأس ماء يروي ضمأه، وهم متفاوتون في قدراتهم البيانيّة، وحاول كل واحد منهم الإِعلام بما يريده.

أمّا الساذج منهم فيأمر أمراً بإحضار كأس الماء الذي يريد بطريقة لا لِينَ فيه ولا حِلْيَة، وقد يكون هذا الأسلوب هو الأبلغ في مخاطبة بعض النّاس، وفي بعض الأحوال والأوضاع، لا سيما في طلب الأكبر من الأصغر، فالأسلوب البياني الأبلغ حينئذٍ هو الطلب بالأمر المباشر، والأوامِرُ العسكرية من القادة إلى الجنود قد لا ينفع فيها إلاَّ مِثْلُ هذا الأسلوب المباشر الجاف، لمقتضيات التدريب على الانضباط العسكري، وكذلك شأن القرارات والمراسيم والأوامر التي توجّهها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015