ولا تُكْتَسَبُ ملكةُ وضْع كلٍّ من الفصل والوصل في موضعه بالملائم بالتقائيّةِ إلاَّ بممارسةٍ طويلة، مع حِسٍّ فطريٌّ مُرْهف، وموهبة بلاغيّة ممتازة.

ويتفاوت الكلام بالفصل والوصل تفاوُتاً كبيراً ارتقاءً أو نزولاً من المراتب البلاغيّة، ويتفاضل في هذا المجال أيضاً الكتّاب والشعراء والخطباء والْمُحَدِّثون.

وبالَغَ بعضهم فقال: البلاغة معرفة مواطن الفصل والوصل في الكلام (أي: العطف بالواو وترك العطف بها) .

***

(2) الجمل التي لا محلّ لها من الإِعراب

لمَّا كان الكلام هنا يتناول الْفَصْلَ والوصل في الجمل التي لا محلّ لها من الإِعراب، فمن المناسب أن نأخذ من النحويّين ما ذكروه من تفصيل لها، ليكون ذلك تمهيداً لكلام البلاغيين حولها.

ذكر النُّحاةُ أنّ الْجُمَل التي لا محلَّ لها من الإِعراب تِسْعُ جمل، وهي ما يلي:

الأولى: "الجملة الابتدائية" وهي الّتي تكونُ في بدء الكلام، مثل: {*اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} فهي جملة لا محلّ لها من الإِعراب.

وهذه الجملة بطبيعتها لا توصل بشيء قبلها، إلاَّ أن تُسْبَقَ بكلامٍ مُقَدَّر ذهناً، فقد يكون للمقدّرات الذهنيّة اعتباراتٌ تُلاحظُ في المنطوق من الكلام، كأن يسأل رجلٌ صديقه: هلْ تَعَشَّيْتَ عند فلان؟، فيقول له: وَبِتُّ عِنده حتّى الصباح.

الثانية: "الجملةُ الاستئنافية" وهي الّتي تقع في أثناء الكلام منقطعةً عمّا قبْلَها لاستئناف كلام جديد، وهي جملة لا محلّ لها من الإِعراب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015