كان مقتضى الظاهر يستدعي أن يُقال: {فَفَزِعَ} بالفِعْل المضارع عطفاً على فعل {يُنفَخُ} لكن عُدِلَ عن هذا الظاهر لتقديم الأحداثِ الّتي ستأتي في المستقبل في صورة أحداثٍ قَدْ وقَعَتْ وَمَضَتْ.
ومع ما في هذا الأسلوب من تنويعٍ يَسْتَثير الانْتِبَاهَ، فهو يتضمَّن تأكيد أنّ هذا الأمْرَ الّذي سيحدث مستقبلاً هو بقوة الأمر الذي وقع في الماضي، إذْ مجيئُهُ في المستقبل حتميٌّ، وحتميَّةُ وقوعه في المستقبل تَسْمَحُ بالتحدُّثِ عَنْهُ بصيغة الفعل الماضي، كما يقول الماهر بالرَّمْي إذا أطْلَقَ قذيفةً مُسَدَّدَةً إلى الْهَدَفِ بدقَّةٍ تَامَّة: "لَقَدْ أصَابَتِ الهدفَ" مع أنَّها ما زالَتْ تَسِيرُ في الجوّ لم تَصِلْ بَعْدُ إلى الْهَدَف.
وهذا فنٌّ بديع من فنونِ الإِبداع البيانيّ البليغ، ولكنّ استخدامه يحتاج قدرة بيانيّةً رفيعةً، تمكّن المتكلّم من اختيار المواضع الملائمةِ لاستخدامه.
***
(8) النوع الثامن
تجاهل العارف
ومن الخروج عن مقتضى الظاهر "تجاهُل العارف" إذْ الأمور التي تجري على طبيعتها بالتِّلْقائيّة أن يتكلّم العارف بالأمر على وفق معرفته له، ولكن قد تدعوه بلاغيّة إلى التظاهر بالشّكّ أو الجهل.
ومن الدواعي البلاغية لهذا: "المدح - الذَّمّ - التعجّب - التوبيخ".
أمثلة:
* قول الشاعر:
أَلَمْعُ بَرْقٍ جَرَى أَمْ ضَوْءُ مِصْبَاحِ ... أَمِ ابْتِسَامَتُهَا بِالْمَنْظَرِ الضَّاحِي