فَحَذَف عن عبارته لفظ "المدينة" لأنّه بادر إلى دفع توهم أنَّهمْ لم يصلوا بَعْدُ إلى القصر السلطاني، وأنّهم ما زالوا في الطريق إليه.

الداعي التاسع عشر: قصد التشويق بالإيهام، ليأتي البيان بعده شافياً حركة الشوق إلى المعرفة.

إلى غير ذلك من دواعي تتفتَّقُ عنها قرائح البلغاء الفطناء.

***

أمثلة وتطبيقات

أُقدِّم أمثلةً وتطيبقات غير شاملة لكلِّ أقسام الحذف وأنواعه، رجاء أن تكون هاديةً للدّارِسِ الباحثِ البلاغي، فَيَقيسَ عليها، ويستخرج ما يراه من دواعي بلاغيَّةٍ في مختلف النصوص التي يدرسُها، من كتاب الله، وأقوال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقوال البلغاء من ناثرين وشعراء ذوَّاقي الأدب الرفيع وعناصره الإِبداعيّةِ والجماليّة:

المثال الأول:

ذكر البلاغيّون أنّ من المألوف في أساليب بلغاء العرب أنَّهم يحذفون الْمُسْندَ إليه عند ذكر الدّيار، ومنه قول امرىء القيس:

لِمَنْ طَلَلٌ أَبْصَرْتُهُ فَشَجَانِي ... كَخَطِّ زَبُورٍ فَي عَسِيبِ يَمَانِ

دِيَارٌ لِهِنْدٍ وَالْرَّبَابِ وَفَرْتَنَى ... لَيَالَيَنَا بِالْنَّعْفِ مِنْ بَدَلاَنِ

لَيَالِيَ يَدْعُونِي الْهَوَى فَأُجِيبُهُ ... وَأَعْيُنُ مَنْ أَهْوَى إليَّ رَوانِ

الطَّلَلُ: مَا بِقَي شَاخِصاً مِنْ آثار الدِّيار ونحوها.

فَشَجَانِي: أي: فهيَّج حزني وأثاره.

كخطّ زبور: شبّه بخَطِّ لكتاب مكتوب.

فِي عَسِيبِ يَمَانِ: الْعَسِيب: سَعَفُ النَّخل. يَمَانِ: نسبة إلى الْيَمن، أو جهة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015