إليه، وحذف المسند، وحذف بعض متعلقات الفعل، وقد انتقيت منها وأضفت إليها، فاجمتعتْ لديّ الدواعي التالية، وأُأكد أنّه يَعْسُر إحصاءُ كلّ الدواعي التي تقوم في نفوس البلغاء للحذف، وما ذكرته منها يرشد إلى ما فاتني أن أذكره.
الداعي الأول: الاحتراز عن العَبثِ بناءً على الظاهر، إذا كان ما يُحْذَفُ يُمْكِن أنْ يُدْرِكه ويَفْهَمه المتلقِّي، دون أن يُذْكَر في اللفظ، لدلالة قرينة الحال، أو قرينة المقال، أو اللّوازم الفكرية المنطقيّة، والمخاطب من الذين تكفيهم دلالات القرائن واللّوازم الفكريّة.
الداعي الثاني: تَخْيِيلُ الْعُدُولِ إلى أَقْوى الدّليلين من العقل أو اللفظ، باعتبار أنّ التوصُّلَ إلى فكرةٍ ما عن طريق الاستدلال العقلي أقْوى لدى الإِنسان من أَنْ تُبَيَّنَ له عن طريق دلالة اللفظ، يُضافُ إلى ذلك أنّ فَهْمَ الإِنسانِ للأَمْرِ باسْتِنْبَاطِه الفكريّ آنَسُ لَهُ وأَسَرّ، وأكثَرُ إشعاراً له بذاتيّته المستقلّة، من أَنْ يَشْعُرَ بأَنَّه عالةٌ في الْفَهْم على من يُعَرِّفُه به بصريح اللّفظ. لمَا يتضمَّنُ البيان بصريح اللّفظ من إلماح ضمنيّ إلى أنَّ المخاطَبَ ليْسَ مِن أهل فهم المعاني بقرائن الأحوال، أو قرائن الأقوال، أو لوازم الأفكار، ففي الحذف إثارةٌ للفكر وترضية لدوافع النفس التي يُسْعِدها الاستقلال والاعتماد على الذات.
الداعي الثالث: اختبارُ تَنَبُّهِ المتَلّقي أو مقدارِ تَنَبُّهِهِ، عند إمكان الاستِغْناءِ عن دلالةِ صريح اللفظ على المراد.
الداعي الرابع: الإِشعار بتمجيد المسمَّى عن طريق الإِيهام بصون اسمه عن أن يُبْتَذَلَ بالذكر لجلالة قدره، على معنى قول الشاعر يخاطبُ ممدوحه:
لَسْنَا نُسَمِّكَ إجْلاَلاَ وتَكْرِمَةً ... فَوَصْفُكَ الْمُجتِلي عَنْ ذَاكَ يُغْنِينَا
الداعي الخامس: الإِشعار باحتقارِ المسمَّى وازدارئه وتَنْزِيهِ اللّسان عن ذكر اسْمِهِ، عن طريق الإيهام بأنّه يَنْبَغِي صَوْنُ اللّسانِ عنه، كما يُصانُ عن ذكْرِ ألفاظِ الفحش، وأسماء العورات.