وَإِذْا أحسَّ أستاذُ علوم البلاغة "عبد القاهر الجرحاني" أَنَّ حذفَ ما يُمْكن أن يُدركَهُ أهل الذكاء والفطنة بالقرائن أو الإِشارات، ممّا يرفع مستوى الكلام إلى مراتب عاليةٍ في البلاغة والإِبداع والجمال البياني، قال كما جاء كتابه "دلائل الإعجاز" بشأن الحذف:

"هذا بابٌ دقيقٌ الْمَسْلَكِ، لطيفُ المأخذ، عجيبُ الأَمْر، شبيهٌ بالسِّحْر، فإِنَّكَ ترى به تركَ الذّكر أفْصَح من الذكْر، والصَّمْتَ عن الإِفادة أزيد للإِفادة، وتجِدُكَ أنْطَقَ ما تكونُ إِذَا لَمْ تَنْطِقْ، وأتمَّ ما تكون بياناً إذا لمْ تُبَيّنْ، وهذه جُمْلَةٌ قدْ تُنْكِرُها حتَّى تَخْبُر، وتَدفَعُهَا حتَّى تَنْظُر".

وممّا سبق ندرك أنّ من شرط حَذْفِ ما يُرادُ الدلالة على معناه، أن يمكن القول، إدراكُهُ بقرائن الحال أو قرائن المقال، أو اللّوازم الفكرية، أو إشارات المذكور من القول وإلاَّ كان تَعْمِيَةً لا تليق بذي بيان بليغ.

ومن علامات الحذف البليغ الذي يرفع قيمة الكلام، أنَّه إذا أُظْهِرَ المحذُوف زالَ ما في الكلام من بهجة وطلاوة وجمالٍ فنّي وإبداع.

***

أقسام الحذف:

لدى استقرار صوف الحذف في الكلام العربي البليغ يظهر لنا أنّه يدور حول حذف جُزْءٍ من الكلمة أو ما يُنَزَّلُ مَنْزِلَة جزئها، كأداة النداء وياء المتكلّم. وحذف جُزْءٍ من الجملة كحذف المسند أوحذف المسند إليه أو حذفهما، أو حذفِ شيءٍ من متعلّقاتِ الفعل أو ما يَعْمَلُ عمله. وحذف جملة كاملة. وحذف أكثر من جملة.

فالحذف إذَنْ يقع في أربعة أقسام:

القسم الأول: حذفُ جُزْءٍ مِن الكلمة أو ما يُنَزَّلُ منزلة جُزْءِ الكلمة، ولم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015