المقدمة الأولى:
الأصل في الكلام ذكر ما يدُلُّ على العنصر المراد بيانُه من عناصر الجملة، إلاَّ أنّ أهل اللّسان اعتادوا أن يحذفوا من الجملة عناصر يفهمون معانِيَها دون ذكر ألفاظها، لكثرة الاستعمال، أو لورود الجملة على طريقة الأمثال، أو لوجود قرينة تدُلُّ عليها من قرائن الحال أو قرائن المقال.
فما اعتاد أهل اللّسان أو اعتاد البلغاء منهم على حذفه، أو هو ممّا يمكن إدراكُه بسهولة إذا حُذِف، فإنّ ذكره يُعْتَبر إسرافاً في التعبير يتحاشاه البلغاء، وحين يَعْمَدُ البليغ الذوَّاق للأدب الرفيع إلى ذكره فإنَّما يَفْعَلُ ذلك لغرضٍ بلاغيٍّ يقْصِدُه.
***
المقدّمة الثانية:
ويتعرّض كلُّ عُنْصرٍ من العناصر الأساسيّةِ التي تُبْنَى منها الجملة المؤدّية لما يَقْصِد المتكلّم بيانَهُ، لاحتمال تقييده بالوصف أو غيره من القيود، كالحال، والبدل، وعطف البيان، والتأكيد، والظرف الزماني أو المكاني، والجارّ والمجرور به، وغير ذلك، ويتعرّض أيضاً لاحتمال إطلاقه وعدم تقييده.
والبليغ الذّوّاق للأدب الرفيع يختار من احتمالي التقييد وعدمه، ما يَراهُ مُحقّقاً لغرضٍ بلاغِيٍّ يقْصده، أو يَراهُ أَوْفَى بتحقيقه ممَّا يطابقُ به مقتضَى حال من يُوَجّه له بيانه، فرداً كان أو جماعة.
***