فتطيّر المعتَصِمُ بهذا الابتداء وأمَر بهدْمِ الْقَصْر.
***
وأمَّا حُسْنُ التخلّص:
فهو أن ينتقل الشاعر أو الناثر من فنّ من فنون الكلام إلى فنٍّ آخرَ، أو من موضوع إلى موضوع آخرَ بأسلُوبٍ حسَنٍ مستطاب، غير مستنكر في النفوس ولا في الألباب، وأحسَنُه ما لا يشعُرُ المتلقّي معه بالانتقال، لما أحدثه التمهيد المتدرّج من تلاؤم، أو لحُسْنِ اختيار المفصل الذي حصل عنده الانتقال، أو لغير ذلك، كاستغلال تقارُب الأشباه والنظائر بَعْضِهِا من بعض، ومن الانتقال البديع ما يشبه الانتقال من فرع من فروع الشجرة إلى فرعٍ آخر منها بينهما ملامَسَةٌ أو تراكُب، أو إلى فرع آخر من شجرة أخرى تلامست أغصانُهما أو تداخلت وتراكبت.
ولم يكن هذا الفنّ متّبعاً عند شعراء وخطباء العرب القدماء، بل كانوا ينتقلون من الْغَزَل أو وصف أرضهم وأنعامهم، أو الحديث عن قومهم أو بطولاتهم أو غير ذلك، إلى المدح أو الاستجداء أو غير ذلك مما هو مقصودُهم الأساسي انتقالاً مفاجئاً، أو يفصلون بنحو قولهم: "دعْ ذا" و"عَدِّ عنْ ذا" أو بغير ذلك ممّا يُشْعِرُ بانتهاء كلام سابق وابتداء كلامٍ جديد في موضوعٍ آخر، ويُسمَّى هذا "اقتضاباً".
ومن الاقتضاب المحمود الْفَصْلُ بعبارة "أمّا بَعْد" بعْدَ مقدّمة الحمد والثناء على الله عزَّ وجلَّ، والصلاة والسلام على نبيّه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومن الاقتضاب البديع الفصل بين قِسْمٍ وقِسْمٍ آخَرَ باسم الاشارة "هذا" أو "هذا ذكْرٌ" أو نحوهما ممّا يُشْعِر بالانتهاء من الكلام على الْقِسْم السابق للْبَدْءِ بالكلام على قِسْمٍ آخَر من أقسامِ موضوعٍ كُلّي ذي أقسامٍ متعدّدة، ومن أمثلته ما جاء في سورة (ص/ 38 مصحف/ 38 نزول) إذْ جاء فيها بيان ثلاثة أصناف من الرسل، وقد يُلْحَقُ بأصنافهم المحسنون والأبرار من غيرهم.