ثُمَّ صَارَ تَوَسُّعٌ في كلمة "الحدِّ" وجمعها "الحدود" فصارت تدلُّ على ما يفصل المعانِيَ الفكريَّةَ بعْضَها عن بعض، من بيانٍ جامعٍ لكُلِّ عَنَاصِرِ المحدود، مانعٍ من دُخولِ غَيْرِهِ فِيه.
وبالحدودِ البيانيّة تُحْمَى المعاني من أنْ يتداخل بعضُهَا في بَعْضٍ، أو يختلط بَعْضُها ببعض.
وتُسْتَخْدَمُ في الكلام الأشباهُ والنَّظَائِرُ، ودَلالاَتُ اللَّوازِم الكفريّةِ، لإِفْهَامِ الآخَرِينَ ما يُريدُ ذو الكلام التَّعْبِير عنْه، كمَا هو في ذهْنِهِ، أَوْ في مَشَاعِرِ نَفْسِهِ، أَوْ فِي إحْسَاسَاتِهِ الجَسَدِيّة، أو الوجْدَانِيَّةِ الباطنة.
فلدَينا إذَنْ كلماتٌ مُفْرَدة، وجُمَلٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ كلماتٍ، وجَمِيعُها ذَواتٌ أَلْفَاظٍ وَذَوَاتُ دَلالاتٍ، وَأَلْفَاظُهَا ذَواتُ حُروفٍ مجتمعة تَنْطِقُ بِهَا الأدواتُ النَّاطِقَةُ، وهِيَ تُصْدُرُ بأصْواتٍ فَتَقْرَعُ آذان السامِعينَ بمختلِفِ أشْكالِهَا وصُوَرِها.
وأصواتُ الحروفِ الَّتِي تُرَكَّبُ منْها الكلماتُ لها نَغَمَاتٌ وحُدودٌ مختلفات، فمنها ما يقْرَع السّمْعَ برِقَّةٍ ولينٍ فيستَحْلِيهِ، ومنْها ما يقرعُ السَّمْعَ بغلظةٍ وخُشُونَةٍ فَيَمُجُّهُ كَارهاً له، ومنْها ما ينْفِرُ منه السّمْعُ وتتقَزّزُ منْهُ النفس، سواءٌ أكان ذلك من الكلمة الواحدة مُفْرَدَةً، أمْ من اجْتِماع عدَّةِ كَلِماتٍ أحدثَ اجتماعُها ما لم يكُنْ عِنْدَ انْفرادِ كلِّ منها.
وَكلُّ أمّةٍ تَضَع ما تَلَقَّتْ منْ كلمات أجدادها، وما تُضِيفُ من كلماتٍ تضَعُها لتُعَبِّر بها عن أفكارٍ ومشاعرَ وأحاسيسَ قامَتْ في أنفسها، مَوْضِعَ التجربة، لاختبارِ مدى لينِها وسُهولَةِ النُّطْقِ بها، أو مَدى التَّأْثيرِ النَّفْسِيّ لدى النطق بها في أنْفُسِ السَّامعين، ولاخْتبار مَدَى استحسان الأسماع لها، أو استقباحها، واستغلاظها، والنُّفْرَة منها، وتَقَزُّز النفس لدى سماعها.
وخلال التجارب الطويلة تشيعُ غالباً الكلماتُ الَّتي تَوَاضَعَ مُعْظَمُ النَّاسِ على