وقد بلغ به عبد القاهر القمة فقال: "إن مما اتفق العقلاء عليه أن التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني، أو برزت هي باختصار في معرضه، ونُقلت من صورها الأصيلة إلى صورته؛ كساها أبهة وكسبها منقبة، ورفع من أقدارها، وشب من نارها، وضاعف قواها في تحريك النفوس لها، ودعا القلوب إليها، واستثار لها من أقاصي الأفئدة صبابة وكلفًا، وقصر الطباع على أن تعطيها محبة وشرفًا؛ فإن كان مدحًا كان أبهى، وأفخم، وأنبل في النفوس وأعظم، وأهز للعطف وأسرع للإلف، وإن كان ذمًّا؛ كان مسُّه أوجع، وميسمه ألذع، ووقعه أشد، وحدُّه أحد، وإن كان حجاجًا كان برهانه أنور، وسلطانه أقهر، وبيانه أبهر، وإن كان افتخارًا كان شأوه أمد، وشرفه أجد، ولسانه ألد، وإن كان اعتذارًا كان إلى القبول أقرب، وللقلوب أخلب، وللسخائم أسل، ولغرب الغضب أفل، وإن كان وعظًا كان أشفى للصدر، وأدعى إلى الفكر في التنبيه، والزجر، وأجدر بأن يحلي الغيابة، ويقصر الغاية، ويبرئ العليل، ويشفي الغليل. وهكذا الحكم إذا استقريت فنون القول وضروبه، وتتبعت أبوابه وشعوبه". هذا كلام ذكره الإمام عبد القاهر في (أسرار البلاغة).

والبليغ غالبًا ما يُؤثر أسلوب التشبيه لما يحتويه من فوائد تعود على الأسلوب من وضوح الفكرة والمبالغة فيها، والإيجاز للوصول إلى الغرض، فإما يفيد الوضوح والبيان قوله تعالى يصور حال المشركين، وهم خارجون من القبور في انتشار وكثرة {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} (المعارج: 43)، ومما يفيد المبالغة قوله تعالى: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} (المرسلات: 32، 33) فشررها ضخم ضخامة القصر، وقيل القصر أعناق النخل، والجمال الصفر أي: السود، وإنما سميت صفرًا؛ لأنه يشوب سوادها شيء من الصفرة، وهي ضخامة غير معهودة ولا متعارفة للشرر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015