والتشبيه إلى جانب ما ذكرنا أشبه بوسائل الإيضاح، ونماذج الدروس التي تسبق الشرح؛ فتذلل ما عسى أن يكون من عسر في الفهم، وتثبت معانيها في الذهن، هذا إلى خلابة البيان التي تنبعث منه انبعاث السحر، فتفعل فعلها العجيبة في النفس.
يقول ابن وهب في كتابه (البرهان في وجوه البيان): "وأما التشبيه فهو من أشرف كلام العرب، وفيه تكون الفطنة والبراعة عندهم، وكلما كان المشبه منهم في تشبيهه ألطف؛ كان بالشعر أعرف، وكلما كان بالمعنى أسبق؛ كان بالحذق أليق".
ويقول أبو هلال العسكري: "والتشبيه يزيد المعنى وضوحًا، ويكسبه تأكيدًا، ولهذا أطبق جميع المتكلمين من العرب والعجم عليه، ولم يستغنِ أحدٌ منهم عنه، وقد جاء عن القدماء وأهل الجاهلية ما يُستدل به على شرفه وموقعه من البلاغة".
وقال الزمخشري عند قول الله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} (البقرة: 17): "ولضرب الأمثال واستحضار العلماء المثل والنظائر شأن ليس بالخفي في إبراز خبيئات المعاني، ورفع الأستار عن الحقائق؛ حتى يريك المتخيَّل في صورة المحقق، والمتوهم في معرض المتيقن، والغائب كأنه مشاهد، وفيه تبكيت للخصم الألد، وقمع لصورة الجامح الأبي، ولأمر ما أكثر الله في كتابه المبين أمثاله، وفشى ذلك في كلام الرسل والأنبياء والحكماء، قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (العنكبوت: 43) ".