من الكاف، وأنها تستعمل حيث يقوى الشبه؛ حتى يكاد الرائي يشك في أن المشبه هو المشبه به أو غيره. هذا الكلام ذكره السبكي في (عروس الأفراح)، وذكره كذلك القرطاجني في كتابه (منهاج البلغاء)، من هنا ندرك عظمة القرآن، ودقة التعبير حين ينتقي لفظ ويؤثره على لفظ آخر؛ ففي هذا دلالة على أن انتقاء الألفاظ المناسبة الدالة المعبرة، هو الذي يسود دائمًا في كلام الله -سبحانه وتعالى.
هذا وينقسم التشبيه بهذا الاعتبار -أعني: باعتبار ذكر الأداة وحذفها- إلى قسمين، فهناك تشبيه مرسل، وهناك تشبيه مؤكد، فالتشبيه المرسل ما ذُكرت فيه أداة التشبيه نقول مثلًا: أنت كالأسد، ومنه قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} (الفيل: 5)، وقوله: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} (الحديد: 21)، وهناك التشبيه المؤكد، وهو ما حُذفت منه أداة التشبيه كقوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} (النمل: 88) تقدير الآية أي: تمر مرًا كمر السحاب، جملة التشبيه المبنية على حذف الأداة.
سؤال كيف تؤكد؟ الجواب: أنها تؤكد بعدة أمور، أولها أن يقع المشبه به خبرًا لمشبه؛ سواء أكان ذلك المشبه مذكورًا في الكلام، أم محذوفًا فمثلًا قول الشاعر:
هم البحور عطاء حين تسألهم ... ......... ................ ..
هنا المشبه مذكور، وكذلك قول امرئ القيس:
فعيناك غربا جدول في مقاضة ... كمر الخليج في صفيح مصوب