تراه قد يبس فتطيره الرياح، كأن لم يكن، ووجه الشبه -كما هو معلوم- التلف والهلاك عقب الإعجاب، والاستحسان؛ فالكاف هنا لم تدخل على مشبه به وهو النبات، وإنما دخلت على لفظ الماء باعتباره عنصرًا مهمًّا في تكوين النبات، وأوراقه وفروعه وثماره.
إذن فلا بد من مراعاة مدخول الكاف حتى تستقيم العبارة أو الآية، وبذلك نعرف مدى أهمية فهم سياق الآية في تقديرها مع أدوات التشبيه، أما كأن فإنها تفيد المشابهة غالبًا، وذلك إذا كان خبرها جامدًا، ويليها المشبه نحو قوله تعالى: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} (القمر: 7)، وكذلك في مثل قولنا كأن النجوم مصابيح، فهنا نشبه النجوم بمصابيح، وكما جاء في الآية، فقد شبه أهل الكفر بأنهم جراد منتشر.
فإذا كان الخبر مشتقًّا فالأرجح أنها لا تفيد المشابهة، وإنما تفيد الظن بوقوع الخبر الذي بعدها نحو قولنا مثلًا: كأن زيدًا قائم، كأن السماء ممطرة، فالمعنى: أننا نظن قيام زيد، ونظن إمطار السماء؛ لأن قائمًا صادق على زيد، وممطرة صادقة على السماء، ولا معنى لتشبيه الشيء بنفسه.
وتأتي الأداة أحيانًا اسمًا من أمثال مثل شبه مماثل محاكٍ مشابه مضاهٍ، ونحوها مما يؤدي معنى المشابهة، فإذا كان الاسم جامدًا وليه المشبه به نحو: هذا الرجل مثل الأسد، وشبه البدر، وإن كان مشتقًّا وليه المشبه نحو: أنت مماثل الأسد، ومحاكٍ البدر، ومشابه عمرو، ومضاهٍ حاتمًا؛ فقد ولي الاسم في هذه الأمثلة الضمير العائد على المشبه، ويأتي كذلك أداة التشبيه فعلًا مثل: شابه وحاكى، ويشابه، ويضاهي، ونحوها من الأفعال المتعدية الدالة على معنى المشابهة، فإذا كانت الأفعال لازمة كتشابه وتماثل؛ فإنها لا تدل على التشبيه، كما سنذكر ذلك