فالطرف الأول مركب من "ما" وهو حرف نفي، ومن "تصدى" بمعنى تعرض، وهو فعل، والثاني مركب من "مات" وهو فعل، و"صدى" وهو اسم. والمعنى: أعلموها أني باقٍ على حبها ولم أتطلع إلى سواها، ولو مِت من هجرها لي. ومنه كذلك قول البستي:

إلى حتفي سَعَى قدمي ... أرى قدمي أراقَ دمي

فالجناس في الشطر الثاني من البيت طرفه الأول مركب من فعل واسم، ومثله الثاني. ولعلك تلحظ أن الطرفين فيه قد اتفقَا لفظًا مع اختلافهما خطًّا. وهذا الجناس أجمل من سابقه؛ لاتفاقه في اللفظ، وليس ذلك بشرط فيه، بدليل اشتراك السابق معه في التسمية.

وقد ذكرنا أن الجناس التام مشروط فيه أربعة شروط، وهي: تجانس حروف طرفيه حيث الضبط، أو تساويهما في العدد، واتفاقهما في الترتيب، واتفاقهما في المخرج، فإن تخلف شرط من هذه الشروط خرجنا من الجناس التام إلى أنواع أخرى من الجناس غير التام، تختلف أسماؤها باختلاف الشرط المتخلف، فإن تخلف شرط اتفاقها في الضبط سُمي بالجناس المحرف، وإن اختل شرط اتفاقهما في عدد الحروف سمي بالناقص، وإن اختل شرط ترتيبها سمي بالجناس المقلوب، وإن كان الاختلاف في نوع الحروف من حيث تقارب المخارج وتباعدها، سمي بالمضارع أو اللحن. فما هو الجناس المحرف؟

الجناس المحرف: هو كل جناس اختلف فيه الطرفان من حيث ضبط حروفهما حركات وسكنات، وشرط المتخلفون هو الاتفاق في الضبط، وعلى هذا يمكن تصور الجناس المحرف في الاسم: بأنه ما اختلف ضبط الحروف فيه، ومع هذا يبقَى الجناس المحرف محتفظًا بتساوي عدد الحروف، واتفاق ترتيبها وتجانسها في الطرفين. ومن أمثلته قول أبي تمام:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015