ومثِّل لعينيك الحمامَ ووقعه ... وروعة ملقاه ومطعم صابه
فالركن الثاني مركب من ميم "مطعم" ومن كلمة "صابه" التي بعده، ولا عبرةَ بهاء ضمير الغائب المضاف إليه في الموضعين؛ لأن الجناس متحقق مع زوالهما، فلا تظن أن الطرف الأول مركب من كلمتين والثاني من كلمتين وبعض أخرى. والمعنى: تذكر ذنوبك وتندَّمْ على فعالها وانتحب؛ خوفًا من عقابها، واجعل الموتَ دائمًا بين ناظريك، وخوِّف نفسك لقاءَه، وطعمه المر. والجناس التام المركب يأتي على غير ما وجه، وهو إما أن يتشابه طرفاه لفظًا ومعنى، ويسمى متشابهًا. ومن أمثلته قول شمس الدين بن عبد الوهاب:
طار قلبي يوم ساروا فَرَقًا ... وسواء فاض دمعي أو رقا
يعني: سكن.
حار في سقمي مَن بعدهم ... كل مَن في الحي داوَى أو رقى
يعني: قرأ الرقية.
بعدهم لا طل وادي المنحنى ... وكذا بان الحِمى لا أورقا
فقد وقع في هذا النص ثلاثة ألفاظ بينها تجانس، وهي: "أو رقا" و"أورقى" وأورقا" الأولى بمعنى أو سكن، والثانية بمعنى أو قرأ رقيةً، والثالثة بمعنى أظهر ورقة. ومعنى النص: طار قلبي يوم تفرق أحبابي وظعنوا ولم يُجْدِ هطول دمعي، فبكائي وعدم بكائي سواء، وقد تحير الناس في سبب أسقامي، فهرعوا إلى علاجي، بعضهم طلب شفائي بإعطائي الأدوية، وآخرون كانوا يرقونني بالتلاوة والأبخرة، وقد أقفر الوادي بعد رحيلهم، ولم يعد له معنى عندي، فهم كانوا كل شيء فيه، كانوا ريَّه وزينته وبهجته، وبعدهم صار أجردَ قاحلًا. ولا يخفَى عليك أن هذا المثال من التام المركب الملفوف المتشابه، فهو تام لتوافر شروط