كان الحرف طرفًا فيه، وقد وقفتَ أنت على حقيقة ذلك، إذ المعول عليه في هذه الفنون هو ما كان طريقه معروفًا عند الأدباء وكثر سَيْرهم فيه، أو قل مع مَلاحته، وكل ما ذكر للجناس الحرفي سوى الحديث المذكور: ((حتى ما تجعل في في امرأتك)) فإنه يحمل بين طياته أسباب رده. ثالث أنواع الجناس التام: ما يسمى بالجناس المركب، وضابطه: أن يكون مكونًا من طرفين أحدهما مركب إما من كلمتين مستقلتين، أو كلمة، أو جزء كلمة، أو جزئي كلمتين، أما الطرف الآخر فيكون مفردًا. ومما هو مشهور في ذلك قول أبي الفتح البستي:
إذا ملِك لم يكن ذا هبة ... فدعه فدولتُه ذاهبة
فالجناس بين "ذا هبة" و"ذاهبة" والطرف الأول مكون من كلمتين: "ذا" بمعنى صاحب، "وهبة" بمعنى منحة، والطرف الثاني هو كلمة واحدة "ذاهبة" اسم فاعل مؤنث. وهذا النوع منه ما يسمى بالملفوف، وهو ما تركب أحد ركنيه من كلمتين تامتين، كقول الشاعر -وقد سبق:
ناظراه فيما جنى ناظراه ... أو دعاني -أي اتركاني- أمت بما أودعاني
ومثله قول الشاعر:
أسرع وسِرْ طالب العلم ... بكل واد وكل مَهْمَهْ
يعني: مكان مقفر.
وإن لحى عاذل جَهولٌ ... فقل له: يا عذول مَه مَه
فالطرف الثاني "مه مَه" مسكون من كلمتين تامتين كما ترى. ومنه: ما يطلق عليه المرفوف، وهو ما كان طرفُه المركب مكونًا من كلمة وبعض أخرى، ومنه قول الحريري:
ولا تلهَ عن تذكار ذنبك وابكه ... بدمع يحاكي الوبلَ حالَ مصابه