المعاني هي المالكة سياستها والمستحقة طاعتها، فمَن نصر اللفظ على المعنى كان كمَن أزال الشيءَ عن جهته، وأحاله عن طبيعته، وذلك مظِنة الاستكراه، وفيه فتح أبواب العيب والتعرض للشيء". والحاصل: أن الجناس محسن لفظي وإن كان التحسين فيه شاملًا لكل من اللفظ والمعنى، إلا أن التحسين فيه لما كان راجعًا إلى اللفظ أولًا وبالذات عُدَّ ضمن المحسنات اللفظية.
هذا، وللجناس أقسام كثيرة ومتفرعة، وصور عديدة ومتنوعة، وأساس هذه الأقسام هو اللفظ، أما المعنى فلا مدخلَ فيها؛ لأنه مختلَف في كل قسم من أقسامه. والأقسام الرئيسة التي ارتضاها البلاغيون للجناس هي التام وغير التام. فالجناس التام: هو ما كان طرفاه متفقين في أربعة أمور: نوع الحروف بأن تكون الكلمتان مكونتين من حروف متحدة، مثل:
للسود في السود آثار تركن بها ... وقعًا من البيض يثني أعينَ البيض
ب- عدد الحروف بأن تكون الكلمتان مكونتين من حروف متساوية من حيث العدد بعد الاتفاق في الجنس، ولا يعتد بـ"أل" التعريفية؛ لأنها طارئة على الكلمة.
جـ- هيئة الحروف بأن تكون الحروف المتجانسة المتساوية في العدد متحدةَ الضبط في الكلمتين: الرفع يقابله رفع، والنصب نصب، وهكذا في كل حروفها، ولا يُعتد بحركة الحرف الأخير؛ لأنه خاضع لعوامل الإعراب.
د- ترتيب الحروف: بأن تكون الحروف المتجانسة المتساوية العدد، المتحدة الضبط، متحدة الموضع، الأول يقابله الأول، والثاني والثالث كذلك وهكذا.