بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الحادي والعشرون
(الجناس باعتباره أحد المحسنات اللفظية)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد:
فالجناس في لغة العرب: كالمجانسة، مصدر: جانس الشيء الشيء: إذا اتحد معه في الجنس أو شاكله في بعض خواصه، يقال: هذا يجانس هذا أي: يشاكله، وفلان يجانس البهائمَ ولا يجانس الناسَ: إذا لم يكن له تمييز ولا عقل. فالمادة إذًا تدور حول الاتحاد والمشاكلة.
والجناس في الحقيقة فن واسع من فنون البديع لم يُعهد في فن منها أن كثرت تعاريجه، واتسعت مسائله، واختلفت صوره كما هو الحال في فن الجناس؛ لذا فإن وَضْع حد لهذا الفن يجمع أطرافه ويلم شتاته، ليس بالأمر السهل الهين، من ثَم كان الكاتبون في البلاغة يفرون من وضع تعريف له، ويكتفون بوضع تصور أو ضابط لنوع من أنواعه، أو فرع من فروعه، الأمر الذي أدى إلى كثرة التعريفات مع ما فيها من تصور وعدم وفاء بأطراف هذا الفن المترامية. وقد أشار الخليل إلى فن الجناس بقوله: "الجنس لكل ضرب من الناس والطير والعَروض والنحو، فمنه ما تكون الكلمة تجانس الأخرى في تأليف حروفها ومعناها وما يشتق منها، مثل قول الشاعر:
يوم خلجت على الخليج نفوسهم ... .......................
أو يكون تجانسها في تأليف الحروف دون المعنى، مثل قوله تعالى: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (النمل: 44) ". وللأصمعي كتاب يُنسب إليه يسمى (كتاب الأجناس) وابن المعتز يعده من الفئوس الأساسية للبديع، ثم ما لبث أن نَمَا الجناس، وتشعبت فروعه، وكثرت أنواعه، وتعددت مصطلحاته، ولعل ذلك يرجع إلى إسراف الشعراء وإكثار الكتاب من هذا اللون، وتفننهم في صنوفه