ومن ذلك أيضًا: قول كاهن الخزاعي في تنفير هاشم بن عبد مناف على أخيه أمية بن عبد شمس: "والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر، وما بالجو من طائر، وما اهتدي بعلم مسافر من منجد أو غائر، لقد سبق هاشم أميةَ في المآثر". وفي العصر الإسلامي نهَى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سجع الكهان، فقد روي أنه -عليه الصلاة والسلام- قَضَى في جنين امرأة ضربتها أخرى، فسقط ميتًا، قضى بِغُرة -أي: عبد أو أمة- على عاقلة الضاربة، فقال رجل منهم: كيف نَدي من لا شرب ولا أكل، ولا صاح فاستهل، ومثل ذلك دمه يُطل -أي: يهدر- فقال -صلى الله عليه وسلم: ((إياكم وسجعَ الكهان)) أو ((أسجعًا كسجع الكهان؟)). وسبب نهيه -عليه الصلاة والسلام- عن سجع الكهان يرجع إلى ما فيه من التكلف والتصنع، كما هو وارد في هذا الأثر، وما تضمنه من أحكام تخالف تعاليمَ الإسلام، وما يقصد إليه الكاهن من التزييف، وتزيين الباطل؛ كي يعلو على الحق، ولم يقصد -صلى الله عليه وسلم- النهي عن السجع مطلقًا، بل قصد النهي عن هذا النوع منه وهو سجع الكهان.
ودليل ذلك أن أسلوب السجع قد ورد في النظم الكريم على نحو ما رأينا، وكما ورد أيضًا في أقواله -صلى الله عليه وسلم- من ذلك قوله: ((يقول العبد: مالي مالي، وإنما لك من مالِك يا بن آدم ما أكلت فأفنيتَ، أو أعطيت فأمضيتَ، أو لبست فأبليت))، وقوله -صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)). وفي أقوال أصحابه -رضي الله عنهم وأرضاهم- ما جاء من قول عبد الله بن عباس في وصف أبي بكر -رضي الله عنه: "رحم الله أبا بكر، كان والله للقرآن تاليًا، وعن المنكر ناهيًا، وبذَنْبه عارفًا، ومِن الله خائفًا، وعن الشبهات زاجرًا، وبالمعروف آمرًا، وبالليل قائمًا، وبالنهار صائمًا، فاق أصحابه ورعًا وكَفافًا، وسادهم زُهدًا وعفافًا".