يا عاذلي فيه قل لي ... إذا بدَا كيف أسلو
يمر بي كل وقت ... وكلما مَر يحلو
فالمعنى: يا لائمي دلني كيف أسلو عن محبوبتي حين أراها وكثيرًا ما أرى المحبوب مارًّا بي، وفي كل مرة أراه يزداد حلاوةً عندي؟ والتورية في البيتين في لفظ "مر" إذ معناه القريب الواضح من المرارة، والمعنى البعيد الخفي من المرور. وقد قُرِنت التورية هنا بما يلائم المعنى القريب كما قرنت أيضًا بما يلائم المعنى البعيد، فالذي يلائم المعنى القريب هو قوله: "يحلو" إذ هو من الحلاوة التي هي ضد المرارة، ومن ملاءماتها الذي يلائم المعنى البعيد قوله: "يمر بي كل وقت" فلما اجتمع فيها الملائمان كانت كأن لم يجامعها شيء، فهي مجردة. ومما ذكر فيها ملائمان لكل من القريب والبعيد قول الشاعر:
أقول وقد شنُّوا إلى الحرب غارة ... دعوني فإني آكل العيش بالجبن
ولفظ "الجبن" له معنيان؛ قريب مورى به وهو الجبن المأكول، وبعيد مورى عنه وهو الجبن ضد الشجاعة، وهذا هو المراد، وقد ذكر الشاعر ملائمًا للمعنى البعيد وهو قوله: "شنوا إلى الحرب غارة" وذكر ملائمًا أيضًا للمعنى القريب وهو: "آكل العيش". ولذا فهي تورية مجردة. ومثلها كذلك قول ابن الوردي:
قالت: إذا كنت تهوى ... وصلي وتخشى نفوري
صف ورد خدي وإلا ... أجور ناديتُ جوري
فلفظ: "جوري" التي جاءت في آخر البيت الثاني له معنيان، قريب ظاهر غير مراد، وذلك بأن يكون فعل أمر من جار مسند إلى ضمير المخاطبة، وقد ذكر ملائم له وهو: "وإلا أجور". وبعيد خفي مراد وهو اسم نوع من الورد يسمى جوري، وقد ذكر ما يلائمه وهو قوله: "صف ورد خدي". ومنها قول الآخر: