تجتمع مع المجاز في كثير من الأساليب، وأن الفرق بين المجاز والكناية فرق ضئيل، فإن معنى هذا أن التحسين بالمجاز أو الكناية هو نفسه التحسين بالتورية. ومما لا مراء فيه أن التحسين بالمجاز أو الكناية ذاتي لا عرضي، فلتكن إذًا التورية كذلك.
والكلام عن أقسام التورية يستدعي أن نقول: إن التورية تقوم -كما هو متضح من معناها - على الإخفاء والستر، فالمعنى القريب فيها مخف وساتر للمعنى البعيد المراد؛ اعتمادًا على قرينة تحدد ذلك المعنى المراد وتعينه، وقد يجامع التورية شيء يلائم ويناسب المعنى القريب، فتكون أوغلَ في الإخفاء وأدخلَ في الستر، وقد لا يجامعها شيء من ذلك فيكون الخفاء فيها أقل من سابقتها. وقد قَسَّم البلاغيون التورية بهذا الاعتبار إلى قسمين؛ القسم الأول: التورية المجردة وهي التي لا يجامعها شيء مما يلائم المعنى القريب المورَّى به، أو يجامعها شيء يلائمها وآخر يلائم المعنى البعيد. ولها بذلك صور ثلاث:
الصورة الأولى: أن تكون مجردةً مما يلائم المعنى القريب مع تجردها مما يلائم المعنى البعيد كذلك. الصورة الثانية: أن تجيء مجردةً مما يلائم المعنى القريب مع اقترانها بما يلائم المعنى البعيد، وهذه نراها في قول عمر بن أبي ربيعة:
أيها المنكح الثريا سهيلا ... عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت ... وسهيل إذا استقل يمان
فالتورية في لفظي "الثريا" و"سهيل" وهما هنا اسمان، الثريا: وهي الفتاة العظيمة المنزلة، وهي بنت علي بن أبي عبد الله بن الحارث بن أمية الأصفر، وسهيل: هو