ويجرنا هذا إلى الحديث عن بيان الفرق بين المقابلة والطباق؛ إذ كثير من البلاغيين يرون أن المقابلة نوع من الطباق، وأنها داخلة فيه، فالخطيب القزويني يذكر هذا اللون بعد فراغه من الطباق وأقسامه بقوله: ودخل في المطابقة ما يُخص باسم المقابلة، وكذلك فَعَل غيره من المتأخرين، وحجتهم أن هذا اللون قائم على الجمع بين معنيين متقابلين في الجملة؛ أي: على وجه مخصوص دون آخر، إذ ليس التقابل بين كل اثنين من المعاني، فمثلًا لا تقابل بين الضحك والقلة في قول الله تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} حتى يكون طباقًا، ولا بين البكاء والكثرة وإن كان فيه مقابلة بين الضحك والبكاء والقلة والكثرة؛ وحيث كان في المقابلة جمع بين معنيين متقابلين في الجملة كان طباقًا لصدق تعريفه عليه، وإن عُدّ من حيث التقابل بين العبارتين مقابلة.

أما السكاكي فقد جعل المقابلة قسمًا قائمًا برأسه من المحسنات المعنوية وعرفها بقوله: أن تجمع بين شيئين متوافقين أو أكثر وبين ضديهما، ثم إذا شرطت هنا شرطًا شرطت هناك ضده. ومثّل لها بقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (الليل:5 - 10)، وقد تبع السكاكي قومٌ منهم العلامة عبد الحكيم فقد رجح رأي السكاكي وعلل هذا الصنيع بقوله: لا يخفى أن في الطباق حصول التوافق بعد التنافي؛ ولذا سُمي بالطباق، وفي المقابلة حصول التنافي بعد التوافق، ولذا سمي بالمقابلة وفي كليهما إيراد المعنيين بصورة غريبة، فكل منهما محسِّن بإنفراده واستلزام أحدهما للآخر يقتضي دخوله فيه، فالحق مع السكاكي في جعله المقابلة قسمًا مستقلًّا من البديعيات المعنوية.

وذهب قومٌ من البلاغيين إلى أن المقابلة أعم من الطباق، قال المطرزي: المقابلة أعم من الطباق فإن المقابلة يدخل فيها نحو: "أن تبنوا الدنيا وغيث الجود" فلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015