من الطرف الثاني يقابل الحسن، والكفر يقابل الدين والإفلاس يقابل الدنيا التي أراد بها الغنى، ومعنى التوافق في التعريف: ما كان خلاف التقابل، فيشمل المتناسبين أو الأمور المتناسبة كما في مراعاة النظير؛ ولذا فقد تجتمع المقابلة ومراعاة النظير كما في بيت أبي دلامة السابق؛ حيث إن الطرف الأول من المقابلة -وهو الحسن والدين والدنيا- أمور متناسبة، فهي مجلبة للسعادة وتجتمع في الذهن بهذا المعنى، وكذا تجد الطرف الثاني -وهو القبح والكفر والإفلاس- بأنها مجلبة للشقاء ولها ارتباط في الذهن بهذا المعنى. كما يشمل التقابل المعنيين غير المتناسبين أو الأمور غير المتناسبة كما في الآية السابقة، فلا تناسب بين الضحك والقلة، ولا بين البكاء والكثرة.
وقد عرّف قدامة ابن جعفر المقابلة بقوله: هي أن يصنع الشاعر معاني يريد التوفيق بين بعضها وبعض أو المخالفة، فيأتي في الموافق بما يوافق وفي المخالف بما يخالف وعلى الصحة، أو يشترط ويعدد أحوالًا في أحد المعنيين، ثم يأتي فيما يوافقه بمثل الذي شرطه وعدده، وفيما يخالف بضد ذلك، وقد مثل ابن قدامة للمقابلة بقول الشاعر:
وإذا حديث ساءني لم أكتئب ... وإذا حديث سرني لم أسر
فقد جعل بإزاء سرني ساءني، وبإزاء الاكتئاب أسر، وهذه المعاني غاية في التقابل، والمتأمل في تعريف قدامة خصص التوافق في المقابلة بما كان متناسبًا، وعلى هذا فإن هذا اللون عنده يشتمل على لونين من المحسنات البديعية وهو مراعاة النظير والمقابلة، بينما المقابلة عند جمهور البلاغيين -على ما أوضحنا- تعم ما كان من المعاني متناسبًا وما كان منها على غير التناسب.