ونحن إذا تأملنا أساليب الطباق وجدنا لهذا اللون مدخلًا في بلاغة هذه الأساليب وأثرًا قويًّا في قوتها، وأن فقدانه يخل بهذه الأساليب ولا يجعلها مستقيمة، وانظر مثلًا إلى قول الفرزدق:

لَعنَ الإله بني كليب إنهم ... لا يغدرون ولا يفون لجار

يستيقظون على نهيق حمارهم ... وتنام أعينهم عن الأوتار

فالغرض الذي قصده الشاعر هو الحط من شأن هؤلاء القوم والكشف عن ذلاتهم وهوانهم وأن أفعالهم مثيرة للسخرية والاستهزاء، وقد حقق له الطباق ما أراد، ولولا الطباق ما استطاع الشاعر أن يكشف عن غرضه، فهؤلاء القوم عاجزون والعاجز عادةً لا يقدر أن يفعل الشيء وضده، وهم إزاء جارهم لا يقدرون على الوفاء له أو الغدر به، كما كان ذِكْر الأمرين المتناقضين في البيت الثاني دليلًا على هوانهم:

يستيقظون على نهيق حمارهم ... وتنام أعينهم عن الأوتار

فهذا دليل على هوانهم، وأنهم موضع السخرية، وهم يستيقظون منزعجين إذا نهق حمارهم؛ حذرًا أن يكون هناك لص يأخذ بعض متاعهم؛ لأنهم يخافون عليها خوفًا شديدًا، بينما هم لا يبالون بكرامتهم أن تُنتهك، فأعينهم نائمة عن الثأر لا يعنيهم أن يأخذوا به وفي ذلك أكبر دليل على هوانهم.

والطباق في البيت الثاني -كما ترى- جعل الموازنة بين أفعالهم مثيرة للسخرية منهم عند الموازنة بين ما يستيقظون له وما ينامون عنه.

هكذا يكون للطباق أثره في إثارة الانفعالات المختلفة في نفس القارئ أو السامع إزاء الأمور المتناقصة، وهذا القدر كافٍ في إثبات أن حسن الطباق حسنٌ ذاتي أصيل، وعلى غراره تجري كل الأساليب المشتملة على هذا اللون. وقد تعجب إذا عرَفت أن الإمام فخر الدين الرازي في نهاية (الإيجاز) أدرج هذا اللون ضمن مسائل النظم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015