الأبيض ... وابيض فَودي الأسود

حتى رثا لي العدو الأزرق ... فيا حبذا الموت الأحمر

فالحريري هنا لم يزد على أنه حشَد ما استطاع حشده من الألوان بطريقة فجة، فجاءت متكلفة، وهذا شأن الغلو في الصنعة دائمًا، وأين هذا الاستخدام للألوان من قول الله تعالى: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُود} (فاطر: 27)، بل أين هو مما هو أقل من هذا بيانًا وأدنى بلاغةً من كل فصيح بليغ لا يصل إلى درجة الإعجاز كقول عمرو بن كلثوم:

بأنا نورد الرايات بيضًا ... ونصدرهن حُمرًا قد روينا

إن الألوان هنا جاءت طبيعية في سياقها، تزيد جلاء الصورة ووضوحها وجمالها، ولكنها هناك ليست كذلك كما لاحظنا ذلك ورأيناه.

أثر الطباق وبلاغته في الكلام

ولو انتقلنا نتحدث عن أثر الطباق وبلاغته في الكلام لطال بنا الوقت، فالجمع بين المتقابلين من الأمور الفطرية المركوزة في الطباع، ولها تعلق وثيق ببلاغة الكلام وأثره في النفوس، فما جاء طباق في الكلام إلا وتعلق به غرض من الأغراض، وذلك باستثناء بعض ما ذكرنا من الأمور المتكلفة، فالأصل ألا يؤدى ذلك الغرض بدونه وهذا هو معنى الذاتية والأصالة التي تكلم عنها علماء البلاغة عندما أشاروا إلى أن مسائل التقديم والتأخير والذكر والحذف والتشبيه والاستعارة وغير ذلك من ألوان علمي المعاني والبيان، لها مدخل في بلاغة الكلام؛ لأن حسنها ذاتي أصيل، وكذا الأمر لو راعينا ذلك في الطباق في كلام الأولين وفي كلام رب العالمين -جل وعلا-.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015