التفرقة بين الطباق الظاهر والخفي، هو إن كان التضاد بين الألفاظ والمعاني جميعًا فهو الطباق الظاهر، وهذا لا يتم إلا في التضاد القائم بين المفردات: كالفرح والحزن، والغنى والفقر، والمدح والذم، والقرب والبعد، والأمن والخوف، والظلام والنور، والحب والبغض، وهكذا، وهذا باب يُكتفى فيه بظهور التضاد بين المفردات لفظًا ومعنًى، ولا يتطلب التدقيق في معرفة الفرق بين معاني المفردات والوصول إلى ما يُضادها على الحقيقة.
والفرح يمكن أن يُلمح للتضاد بينه وبين الحزن وبينه وبين الغم بدرجة واحدة، أو بدرجة متقاربة، والغِنى والفقر يمكن أن تضع بدلًا منهما اليسار والفقر، والمدح والذم يمكن أن تضع بدلًا منهما المدح والهجاء أو المدح والقدح وهكذا، والقضية في إيثار مضاد على مضاد قضية استعمال، فالأديب حينما يؤثر أحد اللفظين على الآخر فإنما ليصل إلى كمال المعنى، ولكن التضاد يبقى قائمًا مع هذا اللفظ أو ذاك حتى وإن كان أحد اللفظين أقرب إلى الذهن عند ذكر المضاد من صاحبه.
ومن العجيب أن يقبل ابن رشيق المطابقة في قول المتبني:
فالسلم تكسر من جناحي ماله ... بنواله ما تكسر الهيجاء
لأن المراد بالهيجاء الحرب، وهي اسم من أسمائها، فكأنه قال الحرب، فأتى بضد السلم حقيقة، ويرفض الطباق بين الجمال والقبح في قول آخر:
وجهه غاية الجمال ولكن ... فعله غاية لكل قبيح
لأن القبح ليس ضد الجمال وإنما ضده الدمامة، والقبح ضده الحسن، وابن رشيق ليس من الذين يلتزمون التضاد الحقيقي بين الألفاظ على الطريقة التي اتبعها أبو هلال العسكري في كتابه (الفروق في اللغة)، مأتسيًا في ذلك بالجاحظ في بعض كتبه، وبالرماني في تفسيره، ذكر ابن رشيق قول زهير: