الموت فقد حضر الموت معه، ومن هنا حدث تضاد خفي بين المحيا وبين أبي يحيى، وهذا التضاد خفيٌّ جدًّا؛ لأنه لا يُتبين إلا بعد كدّ الذهن وإنعام النظر، ومن الطباق الخفي ما جاء في قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى يظهر الفُحش والبخل، ويخوّن الأمين ويؤتمن الخائن، وتهلك الوعول وتظهر التحوت، قالوا: يا رسول الله، وما الوعول؟ وما التحوت؟ قال: الوعول وجوه الناس وأشرافهم، والتحوت: الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يُعلم بهم)).
وقد وضح هنا بعد تفسير الرسول -صلى الله عليه وسلم- لكلمتي وعول وتحوت أن بين معنييهما تضادًّا، ولم يكن أصحابه -رضوان الله عليهم- وهم من هم فصاحة يعلمون معنى الكلمتين، ولم يعرفوا تبعًا لذلك إن كان بين معنييهما تضاد في المعنى أم لا.
وتقسيم الطباق إلى ظاهر وخفي هو المعروف المشهور المتداول، إلا أن محمد بن علي الجرجاني -معاصر القزويني- ثلَّث القسمة، فجعل المطابقة إما ظاهرة وإما خفية وإما تقع في مكانة بين الظهور والخفاء، وحصر المطابقة الظاهرة في طباق السلب وطباق التدبيج -كما سنذكره- وجعل الخفيَّ في ملزوم التقابل كما في قوله تعالى: {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} وكالتقابل بين السماء والأرض؛ لتعلقهما بطرفين متقابلين وهما فوق وتحت، كما جعلها في تقابل لازم آخر غيرهما كما في قوله: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم} (الفتح: 29).
أما النوع الأخير فقد خرج من الطباق، وألحق به مجرد إلحاق عند شراح التلخيص، والعجيب في هذه القسمة أن يكون الطباق بين السماء والأرض طباقًا خفيًّا؛ ذلك أن التضاد بينهما حتى وإن كان في الأصل رجعًا إلى جهتي فوق وتحت، فإنه يكاد يتساوى في الخطور بالذهن مع التطابق بين هاتين الجهتين شأنَ كثير من المجازات التي أخذت صِبغة الحقائق ونُسيت أصولها الأولى، والمرجح في