المشتمل على البرودة غالبًا، والنار مشتملة على الحرارة، والحرارة والبرودة متقابلان.

والطباق الموجود بين "هاتا وتلك" في بيت أبي تمام وإن كانا واقعًا بين مفردين، إلا أنه لا تضاد بين لفظين، ولكن التضاد بين القرب المدلول عليه باسم الإشارة "هاتا" وبين البعد المدلول عليه باسم الإشارة "تلك"، وكذلك لا ترى تضادًّا ظاهرًا بين القصاص والحياة، وإنما التضاد بين الحياة والموت.

ولكن لما كان القصاص هنا يؤدي إلى الموت؛ ولأن القصاص الذي ورد في آية البقرة قصاص قتل وليس قصاص جراح، كان هناك طباق نفي بين القصاص والحياة، ومن الطباق الخفي ما ذكره ابن أبي الإصبع في قوله: فقد يقع في الطباق ما هو معنوي كقوله تعالى: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} (يس 15، 16) إذ معناه: ربنا يعلم إنا لصادقون، فالرد على مكذبيهم بأسلوب القصر: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ} بقولهم: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} ينقض التهمة من أساسها، ويقوضها؛ لأن أساس الرسالة الأول هو الصدق، فإثبات الرسالة لإنسان يعني إثبات الصدق له، فالرسالة والصدق أمران متلازمان، ومن هنا فُهم معنى الصدق من قولهم: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ}.

ومن الطباق الخفي قول الأبيرد الرياحي يرثي أخاه بريدًا:

سلكت سبيل العالمين وما له ... وراء الذي لاقيت معديٌّ ولا قَصر

قال اليزيدي: معدي يعني متقدم، وقصر يعني متأخر، ومعنى هذا أن بين معني معدي وقصر تضادًّا وإن كان هذا التضاد غير ظاهر، فليس كل إنسان قادرًا على إدراك هذا التضاد هنا، فانظر إلى قول سلامة بن جندل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015