والضحك والبكاء في كل هذه الصور لم يُعبَّر بهما عن المعاني الحقيقة المتضادة وإن كان في ظاهر الألفاظ تضاد، ومن هنا أطلق على ما كان من هذا القبيل إيهام تضاد وألحق بالطباق، وليس الأمر كذلك في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى}، فإن هذا من قبيل الطباق؛ لأنهما متضادان لفظًا ومعنًى، ومن ذلك أيضًا قول علي -رضي الله عنه- في الأشعث بن قيس: "وهذا أبوه كان ينسج الشمال باليمين".
والذي معنا هنا هو الشمال واليمين، والأسبق إلى الذهن أنهما لفظان متضادان ولكن حينما تتبين المعنى على هذا الأساس تجده بعيدًا؛ لأن اليد الشمال لا تنسجها اليمين، ولكن إذا دققت النظر رأيتَ أن المقصود بالشمال لا بد أن يكون ممن ينسج، والشمال التي تنسج هي التي مفردها شملة، وهي ما يضعها الإنسان على كتفيه أحيانًا، ويلفه على رأسه أحيانًا أخرى، يستدفئ بها في الشتاء ويتزين، وما زالت هذه العادة معروفة إلى الآن في بعض ريف مصر.
ولا تضاد بين الشمال التي تنسج وبين اليمين بحال، وإنما ظاهر الألفاظ هو الذي يُوهم ذلك، ومما هو قريب من ذلك قول بعضهم لآخر وقد طُلب منه دينه فأنكر وحلف: طلبت منه اليسار فأعطاني اليمين.
فالجمع بين اليسار واليمين هنا يوهم أن هذا من قبيل التضاد، ولكنه في الحقيقة ليس كذلك؛ لأن اليسار هنا المقصود منه الغنى والذي دل على ذلك هو ذكر طلب الدين، والمقصود باليمين هو القسم والذي دل ذلك هو ذكر الحلف، ولولا ذكر هذه المناسبة ما فهمنا منهما هذين المعنيين، ولا تضاد بين الغنى وبين الحلف حتى يكون بينهما طباق، ولكن ظاهر الألفاظ هنا يوهم التضاد.
فالذي يُلحق بالطباق على هذا ثلاثة أنواع وليس اثنين كما ذكر كثير من البلاغيين: