فالذي معنا هنا كلمة يبكي وكلمة يضحك، وهما لفظان متضادان من حيث الظاهر، ولو كان المقصود بهما حقائقهما لكان ذلك من الطباق الظاهر، ولكن فعل يبكي هنا هو فقط المستعمل في معناه الحقيقي أما يضحك فلا؛ لأنه عُني به ظهور الشيب في شعر الرأس، ولا تضاد بين البكاء وظهور الشيب في الرأس، ولكن لما عبر عن هذين المعنيين غير المتضادين بلفظين يتضادان في حقائقهما، كان ذلك لاحقًا بالطباق، ولم يكن طباقًا، ومن ذلك قول البحتري في بِركة المتوكل:

فحاجب الشمس أحيانًا يضاحكها ... طريق الغيث أحيانًا يباكيها

فالذي معنا هنا يضاحكها ويباكيها، وهما متضادان من حيث الظاهر ولكن لا تضاد على الإطلاق بين مضاحكة حاجب الشمس لبركة المتوكل، وبين مباكاة الغيث لها، فاللفظان هنا مجازيان معًا، ولكن تتضاد المعاني الحقيقية لهما؛ ولهذا ألحقا بالطباق كسابقه.

والجمع بين الضحك والبكاء على المجاز فيهما أو في أحدهما كثيرٌ في الشعر العربي، خذ مثلًا قول الشاعر:

جن النبات في ذراها وزكا ... وضحك المزن به حتى بكى

وقول الراضي القرطبي:

ضحك المشيب برأسه ... فبكى بأعين رأسه

وقول دعبل وهو علَم في هذا الباب:

لا تعجبي يا سلمُ من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى

وقول الحسين بن المطير:

كل يوم بأقحوان جديد ... تضحك الأرض من بكاء السماء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015