هنا لا يندرج تحت النوع الأول ولا تحت النوع الثاني، فلماذا يصر السبكي إذن على أن يكون من الطباق؟!
فالذي إذن تستريح إليه النفس، وأنه يمكن أن يكون هذا اللون ملحقًا بالطباق؛ لأن ملمح التضاد فيه قائم على أساس وجود الألفاظ المتضادة في الجملة، والتوسع في هذا النوع جائز؛ لأن الألفاظ التي معنا لا تتضاد حقيقة فالذي يضاد العصيان هو الطاعة وفعل المأمور به قائم مقام الطاعة ومؤد إليها، ولهذا قلنا أن هذا النوع يتوسع فيه كما يتوسع في الطباق.
فليس من الضروري أن تكون الألفاظ التي معنا متضادة على الحقيقة، فكل ما أدى إلى الطباق فهو مقبول، ومما نحن بصدده قول الله تعالى: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} (الرعد: 20)، فحقيقة المعنى في الجملة المعطوف عليها المثبتة يلتقي ولا يتناقض مع حقيقة المعنى في الجملة المعطوفة، ولكن نظرًا لوجود الألفاظ المتضادة في الجملة من الوفاء بالعهد ونقض الميثاق، فإنها يمكن أن تكون ملحقة بالتضاد.
وفي قول الله تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ} (النجم 59، 60) جمعَ بين تضحكون المثبت وضده تبكون المنفي، ونفي البكاء يجعل المعنى غير متضاد مع الضحك المثبت، ولكن وجود اللفظين المتضادين - {تَضْحَكُونَ} و {تَبْكُونَ} - في الأصل يجعل هذا النوع ملحقًا بالطباق، ولا يصح أن يدخل باب الطباق؛ لأن المعاني غير متضادة في الحقيقة.
هذا كلام مهم في تحديد معالم الطباق كما تشير إليها هذه الآيات والأحاديث التي نحن بصدد الحديث عنها.