{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (الروم 6، 7)، ثم أردف الإثبات والنفي بخمسة أبيات لشعراء مختلفين، وشواهد النوعين من غير ما ذكر هي في الحقيقة أكثر من أن تُحصى، وفي الإثبات والنفي نجد مثلًا قول الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (الزمر: 9)، وقوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْت} (الأنفال: 17).
ومنه قول الحسن -رضي الله عنه-: "أما تستحيون من طول ما لا تستحيون"، ومثله كذلك ما ذُكر من أن ابن عمر -رضي الله عنهما- لما قيل له: ترك فلان مائة ألف، فقال: "ولكنها لا تتركه"، وفي الأمر والنهي نجد قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} (الإسراء: 23)، وقول بعضهم: خف الله خوفًا يشغلك عن الرجاء، فإن الرجاء يشغلك عن الخوف، وفر إلى الله ولا تفر منه، والشواهد على ذلك أكثر من أن تُعد.
هذا هو المدى الذي امتد إليه نظر الخطيب في دراسة طباق السلب، فهو عنده محصورٌ في الأفعال وفي الأمر والنهي، وقد كان نظر القدماء إليه أوسع وفهمهم له أعمق للطباق، وقد عرّفه أبو هلال العسكري بقوله: هو أن نبني الكلام على نفي الشيء من جهة وإثباته من جهة أخرى، أو على الأمر من جهة والنهي عنه من جهة أخرى، وما يجري مجرى ذلك.
وتعريف ابن أبي الإصبع للطباق يكاد يكون صورة طبق الأصل من هذا التعريف، فطباق السلب بهذا المعنى يتسع للأفعال والأسماء جميعًا، وهذا التعريف الواسع تجد له في فصيح الكلام ما يشهد بصحته.
فمن شواهد أبي هلال عليه قول الشاعر:
خفيف الحاذي نثال الفيافي ... وعبد للصحابة غير عبدي