بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثالث عشر
(علم البديع: مفهومه، ومراحل تطوره)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد:
ونبدأ بتعريف "علم البديع" بكلمة "البديع" فهي في لغة العرب من بدع الشيء يبدعه بدعًا، وابتدعه أنشأه وبدأه، والبديع والبِدع: الشيء الذي يكون أولًا. وفي التنزيل: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنْ الرُّسُلِ} (الأحقاف: 9) أي: ما كنت أول من أرسل فقد أرسل قبلي رسل كثيرون، والبديع المبدع، وأبدعت الشيء اخترعته لا على مثال سابق، والبديع من أسماء الله تعالى؛ لإبداعه الأشياء وإحداثه إياها، وهو البديع الأول قبل كل شيء. قال تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (البقرة: 117) أي: خالقها ومبدعها فهو سبحانه الخالق المبدئ لا عن مثال سابق، فبديع فعيل بمعنى فاعل، كقدير بمعنى قادر، وأبدع الشاعر جاء بالبديع، وأتى به، وأبدعت الركاب إذا كلت، وحقيقته أنها جاءت بأمر حادث بديع، فالمادة -أعني: مادة بدع- في لغة العرب تدور حول الجديد المبتكر والمحدث المعجب والمخترع على غير مثال سابق.
أما معنى البديع في مَيْدان البحث البلاغي فقد أُطلق منذ عهود مبكرة على محاسن الكلام وخصائص الأدب المميزة له، فكل ما يجعل للكلام حسنًا ومزية فهو داخل في البديع، غير أن المتأخرين من علماء البلاغة حددوا الوجوه التي تحسن الكلام وتزينه، وحصروها في هذه الألوان البديعية المخصوصة، ووضعوها في علم مستقل أطلقوا عليه اسم البديع، وعرفوه بأنه علم يعرف به وجوه تحسين الكلام باعتبار نسبة بعض أجزائه إلى بعض بغير الإسناد والتعلق، مع رعاية أسباب البلاغة، وإنما قالوا: باعتبار نسبة بعض أجزائه إلى بعض؛ ليخرج التحسين لا بهذا الاعتبار كالتحسينات التي باعتبار الدلالة، فإنه على ما مر بنا من البيان. وقولهم: بغير الإسناد والتعلق، لتخرج التحسينات التي باعتبارها فإنها من علم