وقوله: "يومئ به إليه"، بيان لطبيعة الكناية ففيها إيماء إلى المعنى وإشارة لا كشف ومباشرة، وتلك سمة الأدب، هو لا يعبر وإنما يومض إيماضًا تستطيب النفس لمحته، وتستلذ مراوغته.

ولكي يتضح هذا المفهوم نذكر البيت المتوارث في التمثيل للكناية، وهو لامرئ القيس، يقول فيه عن صاحبته:

وتضحى فتيت المسك فوق فراشها ... نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل

فقد أراد أن يصفها بالرفه والعزة، فذكر أنه يأتي عليها وقت الضحى وفتيت المسك منثور فوق فراشها، لم يُذهِبه نومها عليه طول ليلها إلى أن تضحى؛ لكثرته، وأنها لم تلبس النطاق بعد تفضل، فَرَمْزُ رفاهيتها نَثْرُ المسك فوق الفراش والنوم إلى وقت ضحى، ورمز عزتها أنها لم تلبس النطاق بعد تفضل، ومؤدى هذا أن امرأ القيس أراد أن يحدثنا عما يضاعف جمال معشوقته والجمال ربيب النعمة، فكنى عن سعة نعمها بقوله: "فتيت المِسك فوق فراشها"، وعن كونها مخدومة مرفهة بقوله: "نؤوم الضحى"، وعن دوام رفاهيتها ونعمتها بقوله: "لم تنتطق عن تفضل".

والوقوف عند المعنى القريب المباشر لهذه الأوصاف يقصر بها عن مخاطبة الوجدان ومعابثة الشعور، إذ ليس في كثرة المسك ولا في النوم وقت الضحى بكثرة، ولا في عدم الانتطاق بعد تفضل كبير معنى بدون الإيماء إلى ما وراء هذه الصفات يتعلق به غرض الشاعر، فالسياق الذي استدعى هذه الأوصاف يدل على كونها مرفهةً مخدومةً، وفي رفاهيتها وتصونها عن خدمة نفسها بنفسها تطرية لجسدها وإطفاء للملاحة على قسماتها، وأين يقع المعنى المباشر لهذه الأوصاف من المعنى الذي يلمح من ورائها، على أنه ليس ثمة مانع من أن يراد بهذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015