لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ * الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (البقرة: 190 - 194) قالوا: إنها أول آية نزلت في القتال، وقد بدأت بالأمر بقتال مَن قاتلهم، والنهي عن الاعتداء والتنفير منه، فإن الله لا يحب المعتدين.
وتظهر في هذا السياق روح القوة والتمكن التي يجب أن تكون عليها هذه الأمة التي تحمل رسالة الله في أرضه، ولكنها قوة لا تتخطى حدود العدل، ولا تجافي روح الإنسانية، وإنما تخضع لها أحسن ما يكون الخضوع، وتلتزم بها أدق ما يكون الالتزام. تأمل قوله: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} أي: حيث وجدتموهم؛ لأن الثقف وجود على وجه الغلبة والقوة، أي: حيث وجدتموهم قادرين عليهم، متمكنين منهم، وكأن الآية تشير إلى ضرورة أن يكون المسلمون دائمًا في حالة قوة وتمكن وغلبة، فإذا لقوا أعداءَهم كان لقاؤهم ثقفًا أي: وجودًا على وجه التمكن. ثم انظر إلى قوله بعد الأمر بالجزاء: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} وفي الأمر بالتقوى أمر بالتضحية والبسالة والرغبة فيما عند الله عند لقاء العدو، وقوله: {مَعَ الْمُتَّقِينَ} أي: معهم في جهادهم وكائن في صفوفهم.
ثم تأمل قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (محمد: 31) قد أراد سبحانه: ونعرف أخباركم، ولكنه عبر بالابتلاء الذي هو سبب المعرفة؛ لأن الابتلاء يتبعه موقف جديد، إما زيادة تأصيل الإيمان بالله والتمسك الشديد بمبادئ الدين الحنيف، أو الخذلان والتحلل وانهيار الإيمان وضياع العقيدة.
وبعد ظهور هذا الموقف وانكشاف حقيقة المبتلى يصبح علم الله متعلقًا بالمعلوم الواقع، والمولى -عز وجل- عليم بكل شيء ولا يحتاج في علمه إلى ابتلاء.