الزمخشري- فاجهر به وأظهره، يقال: صدع بالحجة إذا تكلم بها جهرًا، كما يقال: صرح بها، فالصدع مستعار للجهر والإبانة، والعلاقة هي أن الصدع تنفصل به الأجزاء وتبين مقاطعها، كذلك الإبانة والجهر تتحدد بهما الحقائق وتنكشف الأغراب، ثم إنك ترى التمييز والتحديد في الصدع بعينك، وترى التحديد والتمييز في القول بفهمك وقلبك، فالذي في المشبه ليس هو الذي في المشبه به، وإنما هو شيء منه بسبيل، وهذا هو معنى التأول عند عبد القاهر.

وفي هذه الاستعارة معنى فوق ما تراه من تجسيد هذه الحقيقة الروحية، وهو الكشف المبين عن حقائق ما جاء به -عليه السلام- وصيرورته في هذه الصورة المحسوسة، وهو الصدع والشق الماثل في الأجسام، هذه الاستعارة فيها فوق ذلك الإشارة إلى وجوب الإعلان الواضح بكلمة الله في كل أمر من الأمور، وإن كان في هذا مصادمة لِمَا تعارف عليه الناس، ولما ألفوه في حياتهم وسلوكهم وعاداتهم. الأمر بالصدع هنا يعني زلزلة هذا المألوف، وشقه ومصادمته مصادمة تصدعه وتهدمه ما دام قائمًا في وجوده على غير منهج الله.

وهكذا فعل الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- فقد هدم ما ترسخ من عقائدهم وأعرافهم وما ترسخ في قلوبهم وضمائرهم، ثم إن هذه الاستعارة من وجه آخر تُرمَى في وجوه هؤلاء الذين يمالئون في كلمة الله وحدود حلاله وحرامه، بمصانعة الجهلة والطواغيت، وتأييد ضلالاتهم وانحرافاتهم، وإعطائها صبغة قرآنية، وكذلك الذين يصانعون العقائد والمذاهب المعاصرة فيتساهلون في تحديد وجهة نظر القرآن، أو يُلبسون في بعض جوانبها؛ ليُدنوا هذه النظم من القرآن أو يُدنوا القرآن منها، وهذا وغيره يخالف الإبانة الكاشفة التي جسدتها كلمة: {فَاصْدَعْ}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015