للأحوال الجسمية، وإنما هو إبطال للطاقات الروحية، وكذلك الاستعارة في "أحييناه" ليست الحياة فيها هي الحياة المألوفة وإنما هي الهداية التي صارت بدورها حياة، أو ضربًا من الحياة غير مألوف؛ لأنها تعني خلوص النفس مما يثقل نهوضها السامي، الذي تهتف به فطرتها الطاهرة النازعة نزوعًا دائمًا إلى الحق والمثل الأعلى.

الاستعارة هنا جددت معاني الكلمات وأثرتها، وأفرغت فيها فكرًا جديدًا وحِسًّا جديدًا، صرنا نرى حياة ولكنها ليست حياة بالمعنى المتداول، ونرى هداية ولكنها ليست هداية بالمعنى المتداول أيضًا، وكأننا أمام حقيقة ثالثة ليست المستعار منه ولا المستعار له، أعني: ليست الطرفين اللذين زاوجنا بينهما وإنما هي شيء ثالث ولده هذا التزاوج والتداخل، الذي أدمج المستعار له في المستعار منه، ولكنه لم يشكله تشكيلًا كاملًا في صورة المستعار منه وإنما بقي بين بين.

ولعل السكاكي أحس بهذا حين زعم أن معنى "فردًا" غير متعارف هو الهداية التي صارت حياة أو الحياة التي هي هداية، وكانت هذه الفكرة ترِد في كلام عبد القاهر على درجة بينة من الوضوح في مثل قوله: إننا في الاستعارة نتوهم واحدًا من الأسود قد استبدل بصورة إنسان.

ومن الاستعارات التي بُنيت على التمثيل عند عبد القاهر، أو التي يكون فيها المستعار له أمرًا معقولًا والمستعار منه أمرًا محسوسًا -كما يقول الخطيب- قول الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} (الحجر: 91 - 95) فالصدْعُ يكون في الأجسام، ومنه: صدع الزجاجة، وسمي الفجر صديعًا؛ لأنه يصدع الظلمة ويشقها. والمراد -كما يقول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015