القويم المظهر والمخبر يطالعنا لفظ الزينة مرادًا به المحل الذي يوجد فيه؛ لأن الزينة تعني التجمل، والتجمل إنما هو أمر عقلي، ولا بد أن يكون له ما يوفره أو ييسره وهو هنا الثياب الساترة للعورة إذ هي محل الزينة.

والقرينة الدالة على أن المراد بالزينة الثياب الساترة للعورة دون غيرها مما يوفر الزينة، قوله تعالى: {عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (الأعراف: 31) فالمراد بالمسجد الصلاة، وقد تجاوز البيان القرآني الدلالة على هذا المعنى بلفظه الموضوع وهو الثياب؛ للإيماء إلى ما ينبغي أن يكون عليه حال المؤمن من الأناقة وجمال المظهر، ويكشف عن هذا الإيحاء قوله -صلى الله عليه وسلم- لمن ظن أن التجمل بالحسن من الثياب والنعال قرين الكبر عندما قال: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، إن الله جميل يحب الجمال)).

ومن المجاز الذي جاء على هذه الصورة قول الله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (آل عمران: 106، 107) فالمراد بالرحمة هنا الجنة، والجنة -كما لا يخفى- حال هذه الرحمة، والقرينة الدالة على أن لفظ الرحمة أطلق على المحل الذي توجد فيه حرف الجر في، وهو دال بأصل وضعه على الظرفية، والرحمة ليست مكانا يحل فيه من ابيضت وجوههم، وإنما لم يعبر عن الجنة باسمها؛ لأن في لفظ الرحمة إيماء إلى أن دخولهم الجنة إنما هو بفضل الله لا باستحقاقهم له. وشبيه بهذه الصورة قول الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} (الانفطار: 13). كذا قول الشاعر يرثي معن بن زائدة:

ألما على معن وقولا لقبره ... سقتك الغوادي مربعا بعد مربع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015