لأن عينه أبرز عضو فيه يستخدمه في التجسس. ومن هنا ساغ مع ما سبق قول الشاعر:
كم بعثنا الجيش ... جرارا وأرسلنا العيون
ونقول: فلان تتزاحم حوله الأقدام، أو هو خير من تسعى له قدم، في مقام المدح بالسيادة والكرم، قد عبرنا عن طالب العطاء بالأقدام؛ لأن بها يسعون قاصدين الممدوح في قضاء حوائجهم. ويقول الشاعر:
وكنت إذا كف أتتك عديمة ... ترجي نوالا من سحابك بلت
قد عبر بالكف عن الإنسان المعدم؛ لأن السياق سياق عطاء وأخذ، والمعدم يمد يده راجيا عطاء وخيرا يلقى بها؛ ولذا عبر عنه بالكف. ومن ذلك قول امرئ القيس:
أغرك مني أن حبك قاتلي ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل
فقد عبر عن نفسه بالقلب؛ لأن السياق سياق حب، وغرام، وغزل، وهيام. وفي ذلك يقول ابن المعتز:
سالت عليه شعاب الحي حين دعا ... أنصاره بوجوه كالدنانير ... كالدنانير
فقد عبر عن رجال معروفين بالشرف والسيادة والنبل بالوجوه، وذلك على طريق المجاز المرسل الذي علاقته الجزئية، فقد آثر التعبير بالوجه؛ لأن المقام مقام شرف وسيادة ونبل ووجاهة، وهكذا يعبر عن الإنسان بأجزاء مختلفة من أجزاء جسده، وفي كل مرة نرى الجزء الذي عبر به عن الكل، وهو الإنسان له اتصال وثيق ومزيد اختصاص بالسياق وبالمعنى، ولا يصلح جزء من أجزاء الإنسان المذكورة مكان الآخر لاختلاف السياق كما أوضحنا.
من هذه العلاقات علاقة الكلية، وهو أن يعبر عن الجزء بلفظ الكل أي يطلق اسم الكل ويراد جزؤه كقوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} (البقرة: 19)