من ذلك قول الله تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} (النحل: 112) فهنا استعير اللباس للأحداث والمصائب التي حلَّت بأهل القرية، أو لما علا وجوههم وأجسادهم من صفرة وهزال، وقد ذُكر في الآية الإذاقة بمعنى الإصابة، وهي من ملائمات المستعار له؛ فالإذاقة بمعنى الإصابة تلائم الأحداث والمصائب، وما علا الوجوه من صفرة، ولا تلائم اللباس.

من هذه الاستعارات التي هي باعتبار الملائم هي الاستعارة المرشحة، وهي التي قرنت بما يلائم المستعار منه، وهو المشبه بعد استيفاء القرينة، كما في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} (البقرة: 16)، فهنا استعير الشراء للاختيار والاستبدال، ثم ذُكر الربح والتجارة وهما من ملاءمات المستعار منه، وذلك مما يقوي الاستعارة ويحقق المبالغة في التصفير والتخييل، ودعوى دخول المستعار له في جنس المستعار منه، وكأن الكلام على الحقيقة، ولذلك سميت بالاستعارة المرشحة؛ إذ الترشيح معناه في اللغة التقوية، ومنها قول المتنبي:

رميتهم ببحر من حديد ... له في البر خلفهم عباب

فهنا استعير البحر والمستعار منه أو المشبه به للجيش القوي، الذي هو المشبه، والقرينة قوله "من حديد"، ثم ذكر ما يلائم المستعار منه وهو العباب والبر، فخُيِّل للسامع أن المراد هو البحر حقيقة، بمعنى: أنه شبه الجيش القوي بالبحر، ثم حذف المشبه به على سبيل التصريحية، وذكر ما يلائم المشبه به أي: المستعار منه، وذلك بقوله العباب والبر، ومن ذلك قول الشاعر:

إذا ما الدهر جر على أناس ... كلاكله أناخ بآخرين

وهن استعار الجمل للدهر استعارة مكنية، وتم استيفاء قرينتها بإضافة لازم المستعار منه الذي هو الجر والكلاكل إلى المستعار له، وهو الدهر، ثم ذكر جملة أناخ بآخرين، وهي من ملائمات المستعار منه، ومن ذلك قول الآخر:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015