كلمة انتضيت من انتضى السيف أي: جرده من غمده، فقد جعل ممدوحه سيفًا ينتضى، ويلجأ إليه عند الشدة، وعند النوازل، ثم طوى المشبه به ورمز له بلازمه، وهو الانتضاء، ومنه قول الآخر:
عضَّنا الدهر بنابه ... ليس ما حلَّ بنا به
فكلمة بنابه الأولى إنما هو ناب الحيوان، أما الباء في الكلمتين الأخيرتين فهما باء الجر، فجعل للدار هنا نابًا يعضُّ به، والدهر لا ناب له، وإنما الناب للحيوان المعروف، من ذلك أيضًا قوله:
إذا ما الدهر جر على ... أناس كلاكله أناخ بآخرين
كلمة كلاكله أي: الصدر، أناخ يعني: برك، فهنا شبه الدهر والمراد به نوازله، وأحداثه بالبعير، ثم حذف المشبه به بعد تَنَاسي التشبيه، وجعل المشبه فردًا من أفراده، رامزًا له بلوازمه، وهي الكلاكل والجر والإناخة، وأثبت هذه اللوازم للمشبه، وهو الدهر. من ذلك أيضًا قول السري الرفاء يقول:
وقد كتبت أيدي الربيع صحائفًا ... كأن سطور السري حسنًا سطورها
سُرِّي: هو شجر عالٍ ملتف الأغصان، فهنا جعل للربيع أيادٍ يكتب بها صحائف ذات سطور جميلة، وتلك من خصائص الإنسان الذي يكتب ويسطر، لكنه هو شبه الربيع بالكاتب؛ لأثر كل منهما في جمال ما يصدر عنه، ولم يذكر لفظ المشبه به؛ بل ذكر بعض لوازمه وهو الكتابة، والأيدي، والصحائف، والسطور التي لا يظهر عمل الكاتب إلا بها.
من الاستعارات المكنية قول آخر:
ولئن نطقت بشكر برك مفصحًا ... فلسان حالي بالشكاية أنطق
وقد جعل للحال لسانًا ينطق بالشكوى تشبيهًا لها بالإنسان الناطق، ومنه كذلك قول زهير بن أبي سلمى:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعري أفراس الصبا ورواحله