شبه الشمال في تصريفها برودة الجو التي هي الكرة، والتحكم في طبيعتها، شبه ذلك بالإنسان الذي يتصرف في الأمور، وشبه الكرة -وهي البرودة- بالبعير بجامع الانقياد للغير، ثم تُنُوسي التشبيه، وادُّعي أن المشبه فرد من أفراد المشبه به، ثم أثبت لازم المشبه به -وهو اليد والزمام الخاصان بالإنسان أثبتهما للمشبه، ولا يخفى ما في ذلك من المبالغة في تصرف الريح تصرف الإنسان القادر، وانقياد الكرة لها انقياد البعير المذلل، ومن الاستعارة بالكناية قول آخر:
وإذا العناية لاحظتك عيونها ... نم فالمخاوف كلهن أمان
فقد أثبت للعناية عيونًا بأن شببها بالإنسان، ثم تناسى التشبيه، وادعى أن المشبه فرد من أفراد المشبه به، ثم أثبت لازم المشبه به للمشبه؛ قصدًا إلى المبالغة، ونرى ذلك أيضًا استعارة المكنية في قول الحجاج: "إني أرى رءوسًا قد أينعت وحان قطافها".
أثبت للرءوس قطافًا وإيناعًا أي: نضجًا، وهما من خصوصيات الثمار والأزهار، وبذا يكون قد شبه الخارجين عليه بالثمار ثم حذف المشبه به، ورمز له بشيء من لوازمه، وهو أينعت، وحان قطافها، وإثبات ذلك للمشبه تخييل، واستعارة تخييلية، وهي إذن قرينة المكنية.
من المكنية قول المتنبي:
ولما قلت الإبل امتطينا ... إلى ابن أبي سليمان الخطوب
قلَّت أي: عزت، امتطينا أي: ركبنا
فجعل الخطوب تمتطى، والذي يمتطى هو الحيوان المعروف، فهو هنا شبه الخطوب بالإبل، ثم حذف المشبه به، ودلَّ على حذفه بذكر خاصة من خواصه، وهو قوله امتطينا، على سبيل المكنية، كذلك نجد من الاستعارات المكنية قول أبي تمام:
لما انتضيتك للخطوب كُفيتها ... والسيف لا يكفيك حتى يمتضى