المخيفة التي لا تقلم، يكون الشاعر بذلك قد شبَّه هذا الشجاع بالأسد، ثم تنوسي التشبيه، وادُّعي أن المشبه من جنس المشبه به على سبيل الاستعارة التصريحية، ونحو ما سبق قول البحتري:
وصاعقة في كفه ينكفي بها ... على أرأس الأعداء خمس سحائب
فقد استعار الصاعقة لنصل السيف لتشابههما فيما يوقعان من أذى، ثم استعار لفظ السحائب لأصابع الممدوح لتشابههما في الجود والخير، ومن ذلك أيضًا قول أبي دولامة يضم بغلته ويصور سيره:
أرى الشهباء تعجن إذ غدونا ... برجليها وتخبز باليدين
لقد شبه حركة رجليها بحركة يدي العاجن في الانزلاق وعدم الاستقرار، فرجلاها لا يثبتان على الأرض، بل ينزلقان إلى الإمام، وكذلك يد العاجن لا يثبتان في مكان، بل ينزلقان لرخاوة العجين إلى الإمام. ثم شبه حركة يديها وهما لا يتقدمان إلى الإمام، بل ينثنيان إلى الخلف نحو بطنها في تقوس، وعوجاج بحركة يدي الخابز؛ حيث يثنيهما إلى صدره في تقوُّس؛ ليستجمع قوته ويقذف بأقراص العجين داخل التنور، فالشاعر إذن قد استعار العجين لحركة الرجلين، واستعار الخبز لحركة اليدين، ثم اشتق منهما تعجن وتخبز على سبيل الاستعارة التبعية.
فالمعنى المجازي المراد من هذه الشواهد: وهو البطل الشجاع، ونصل السيف، وأصابع الممدوح، وحركات الدابة، له تحقق ووجود؛ إذ هو من المشاهدات الحسية؛ لذلك يطلقون على الاستعارة التصريحية الاستعارة التحقيقية، وهي الاستعارة التي يكون المعنى المراد بها، وهو المستعار له أي: المشبه له تحقق ووجود يدركه الحس أو العقل، وليس أمرًا خياليًّا أو وهميَّا، ولذلك سميت تحقيقية.