أما ما تعين حمله على الاستعارة، فهي تلك الجمل التي يستحيل تقدير أدوات التشبيه فيها؛ لأن تقديرها يؤدي إلى التناقض وإفساد غرض المتكلم، إذا كان المشبه به نكرة موصوفة بصفات لا توجد فيها، ومراعاة التشبيه معها يفسد معنى الكلام، كما ذكرنا في بيت المتنبي:
أسدٌ دم الأسد الهزبر خضابه ... موت فريص الموت منه يرعد
فلا يقال: هو كأسد، أو كأنه أسد دم الأسد الهزبر خضابه؛ لأن مقتضى التشبيه أن يكون المشبه به أقوى من المشبه، أو مثله في قوته، وقوله "دم الأسد الهزبر خضابه" يقتضي أن يكون الممدوح أقوى من الأسد، وهذا تناقض، ولكن حمل البيت على الاستعارة يدفع هذا التناقض؛ حيث تكون الصفات المذكورة منصبَّة على الممدوح، لا على الأسد.
والسؤال، ويندرج تحته الاستعارة التمثيلية، إن كانت علاقته المشابهة، والمجاز المرسل المركب إن لم تكن العلاقة كذلك، وأن المفرد ينقسم باعتبار العلاقة إلى مجاز استعاري إن كانت العلاقة المشابهة مجاز مرسل إن لم تكن العلاقة كذلك، وأن الاستعارة نوعين: فما صرح فيه بلفظ المشبه به سمي بالاستعارة التصريحية، وما حذف منه المشبه به سمي بالمكنية.
وسيكون حديثنا المفصل فيما بعد -بمشيئة الله تعالى- عن نوعي هاتين الاستعارتين، لذكر المزيد من الأمثلة التي من خلالها تتضح معالم كل، فإلى الملتقى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.