غرضًا مقصودًا لذاته، بل هو مقصود تبعًا؛ إذ هو وسيلة يُتوصل بها إلى جعل المشبه واحدًا من أفراد المشبه به، ولذا نتناساه ونتجاهله فيُطوى المشبه ويحذف.
ثالثها: أن المشبه في التشبيه البليغ مذكور في الكلام، إما لفظًا أو تقديرًا، أما في الاستعارة فيجب حذفه وطيه وتناسيه، ولذا كانت المبالغة في الاستعارة أقوى، والخيال أشد، فإذا قلنا: رأيت أسدًا يخطب الناس فقد يقع في الوهم قبل أن نقف على القرينة أن المراد الحيوان المفترس، وسرعان ما يندفع هذا التوهم بالقرينة، وذلك لا يتأتَّى في التشبيه البليغ؛ لوجود المشبه لفظًا أو تقديرًا، أو المحذوف وجه الأداة والمشبه هو عند الجمهور من التشبيه البليغ، ويرى بعض البلاغيين أن هذا الأسلوب -هو التشبيه المحذوف الوجه والأداة، أو الذي يقع مشبه به فيه خبر عن المبتدأ، أو في حكم الخبر، كما في الأمثلة التي مرت بنا، يرونه استعارة لا تشبيهًا.
ويحتجون بما في الاستعارة من المبالغة في دعوى الاتحاد بين المشبه والمشبه به، كما أن الحكم به عليه في نحو قولنا: محمد أسد، يرجع إلى أن لفظ أسد ليست مستعملًا في معناه الحقيقي الذي هو الحيوان المفترس، بل هو مستعمل في معنى الجري، فحمله على محمد باعتبار أن محمدًا أحد أفراده الجريء، فهذا الحمل صحيح لاتحاد الحقيقتين، ومن ثم كان لفظ أسد استعارة، لا تشبيهًا.
يرى الإمام عبد القاهر أن الجمل التي يمكن دخول جميع أدوات التشبيه عليها، ويكون دخولها مقبولًا ومستساغًا، ويتحقق ذلك إذا كان المشبه به معرفة نحو: محمد الأسد، وهند شمس النهار، يمكننا أن ندخلها في باب التشبيه، فتقدير الكلام: محمد كالأسد، وكأن محمد أسد، وهو مثل الأسد، أما ما كان بالتشبيه أقرب، وهي تلك الجمل التي يحسن دخول بعض أدوات التشبيه عليها دون