ومن بديع هذا المركب الحسي ما كان وجه الشبه فيه هيئة ساكنة؛ خلافًا لسابقيه الهيئة المتحركة بلا أوصاف، والهيئة المتحركة بأوصاف، نرى في هذه الصورة وجه الشبه هيئة ساكنة مأخوذة من هيئة السكون الحاصلة بين الطرفين، أو مكونا من اجتماع الألوان المجردة عن الحركة فيهما، مثلًا قول المتنبي يصف إقعاء كلب الصيد يقول:
يقعي جلوس البدوي المصطلي ... بأربع مجدولة لم تجدلِ
فقد شبه هيئة الكلب في إقعائه بهيئة البدوي المستدفئ بالنار، فإنه يجلس على إليتيه ورجليه مادًّا يديه إلى المدفئة، ووجه الشبه هو الهيئة المركبة الحاصلة من وقوع الأعضاء المختلفة في مواقعها الخاصة، وهذا الوجه منتزع من عدة أوضاع في الطرفين ساكنة لا حركة فيها.
ومن ذلك تصوير الشعراء هيئة المصلوب، ووقوع كل عضو من أعضائه في موقع خاص، يخيم السكون عليها، فامتدت هذه الهيئة وراحت بلا حركة تغير من صورتها، وقد اختلفت الصور التي أبرز الشعراء فيها هذه الهيئة، فمنها قول الأخيطل:
كأنه عاشق قد مدَّ صفحته ... يوم الوداع إلى توديع مرتحل
أو قائم من نعاس فيه لوثته ... مواصل لتمطيه من الكسل
فهنا شبه المصلوب في البيت الأول وهو قائم في الجذع، قد مالت عنقه إلى جانب كتفه، وفي وجهه صفرة الموت، شبهه بعاشق تجمدت حواسه في موقف الوداع، وقد مالت عنقه، وفي وجهه صفرة العشق. ووجه الشبه هو هيئة السكون الحاصلة من القامة المنتصبة، والأذرع الممتدة، والأعناق المائلة، والوجوه المصفرة، وقد طالت هذه الهيئة بلا حركة تغير من أوضاعها.