اطلعت على كتاب "الرقة والبكاء" لابن قدامة فأثر في قوله" فإنني أحببت جمع أخبار أداوي بها قسوة قلبي، وأستجلب بها دموع عيني، فطلبت ذلك في مظانه فلم أر أجلب له ولا أجمع لما أردت من أخبار الصالحين" (?) فإذا كان ابن قدامة العالم العابد صاحب التصانيف يبحث عما يداوي قلبه، فلأنا أحرى والله بذلك، ولم أر أجلب لرقة القلب من البحث في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في اللغة:
قال ابن فارس: (بكوء) الباء والكاف والواو والهمزة أصلان: أحدهما البكاء , والآخر نقصان الشيء وقلته.
فالأول بكى يبكي} بكاء {. قال الخليل: هو مقصور وممدود. وتقول: باكيت فلانا فبَكَيِِْتُه, أي كنت أبكى منه.
قال النحويون: من قصره أجراه مجرى الأدواء والأمراض، ومن مده أجراه مجرى الأصوات كالثغاء والرغاء والدعاء. وأنشد من قصره ومده:
بكت عيني وحق لها بكاها ... وما يغني البكاء ولا العويل
قال الأصمعي: بكيت الرجل وبكّيته، كلاهما إذا بكيت عليه؛ وأبكيته صنعت به ما يبكيه.
والأصل الآخر قولهم للناقة القليل اللبن هي بكيئة, وبكؤت نبكؤ بكاءة ممدودة. وأنشد:
يقال محبسها أدنى لمرتعها ... ولو تعادى ببكء كل محلوب
يقول: محبسها في دار الحفاظ أقرب إلى أن تجد مرتعا مخصبا. قال أبو عبيد: فأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إنا معشر الأنبياء بكاء" فإنهم قليلة دموعهم. وقال زيد الخليل:
وقالوا عامر سارت إليكم ... بألف أو بكا ًمنه قليل
فقوله بكا ًنقص, وأصله الهمز, من بكأت الناقة تبكأ, إذا قل لبنها. وبكؤت تبكؤ أيضا. (?)
قال الثعالبي في بيان درجات البكاء: إذا تهيأ الرجل للبكاء. قيل: أجهش. فإن امتلأت عينه دموعا قيل: اغرورقت عينه، وترقرقت. فإذا سألت قيل: دمعت وهمعت. فإذا حاكت دموعها المطر قيل: همت. فإذا كان لبكائه صوت قيل: نحب ونشج. فإذا صاح مع بكائه قيل: أعول. (?)