إلخ. ومثل القمل الذي يتلون بلون شعر الرؤوس، «فنرى قمل رأس الشاب الأسود الشعر أسود، ونراه في رأس الشيخ الأبيض الشعر أبيض، ونراه في رأس الخاضب بالحمرة أحمر، نعم حتى أنك ترى في القملة شكلة إذا كان خضاب الشيخ ناصلا، وهكذا طبع الله الأشياء» .
*** والمنحى النقدي عند الجاحظ يتمثل في نزعته إلى الشك بحيث لا يسلم بأي أمر أو خبر إلّا بعد أن يمحصه ويختبر مدى صحته، وهو القائل: أجعل الشك طريقا إلى اليقين؛ وهو الذي عرف بميله إلى التهكم والسخرية حتى أنه كان يسخر من نفسه ومن قبح منظره.
فهو يورد الخبر ثم يعقب عليه مبينا ما فيه من صحة أو خطأ متبعا في ذلك مناهج النقد الدقيقة. لنسمعه ينتقد خبر عائشة أم المؤمنين التي خرجت على بغلتها لتصلح بين حيين، فلقيها ابن عتيق وسألها عن سبب خروجها فقالت له: أصلح بين هذين الحيين، فقال: والله ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل، فكيف إذا قيل: يوم البغل! فضحكت وانصرفت. إن هذا الخبر برأي الجاحظ مصنوع، ومن توليد الروافض للأسباب التالية:
أولا: لأنه أضيف إلى أن ابن عتيق وجعل نادرة ليشيع بين الناس.
ثانيا: لأن عائشة عرفت بطاعة الناس لها باعتراف علي نفسه فهي ليست بحاجة إلى أن تركب وتخرج من بيتها لتذهب إلى حيين وتصلح بينهما ويكفي أن ترسل إليهما فييجيئان إليها وتحكم بينهما.
ثالثا: لم يعرف أن حربا نشبت بين حيين من قريش، وتدخلت عائشة لإصلاح البين ودفع الشر. وإلا «فمن هذان القبيلان؟ وفي أي ضرب كان هذا الشر، وفي أي شيء كان، وما سببه إلخ ...